إنما ذكر الليل والنهار لأن لكل واحد من الوقتين آفات تختص به والمعنى من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معايشكم.
أما قوله :﴿بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ﴾ فالمعنى أنه تعالى مع إنعامه عليهم ليلاً ونهاراً بالحفظ والحراسة فهم عن ذكر ربهم الذي هو الدلائل العقلية والنقلية ولطائف القرآن معرضون فلا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالىء لهم سواه ويتركون عبادة الأصنام التي لا حظ لها في حفظهم ولا في الإنعام عليهم.
أما قوله تعالى :﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ فاعلم أن الميم صلة يعني ألهم آلهة تكلؤهم من دوننا، والتقدير ألهم آلهة من تمنعهم.
وتم الكلام ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال :﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ وهذا خبر مبتدأ محذوف أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات، وحماية النفس أولى من حماية الغير.
فإذا لم تقدر على حماية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها، وفي قوله :﴿وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ قولان : الأول : قال المازني : أصحبت الرجل إذا منعته فقوله :﴿وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ من ذلك لا من الصحبة.
الثاني : أن الصحبة ههنا بمعنى النصرة والمعونة وكلها سواء في المعنى يقال : صحبك الله ونصرك الله ويقال للمسافر : في صحبة الله وفي حفظ الله فالمعنى ولا هم منا في نصرة ولا إعانة، والحاصل أن من لا يكون قادراً على دفع الآفات ولا يكون مصحوباً من الله بالإعانة، كيف يقدر على شيء ثم بين سبحانه تفضله عليهم مع كل ذلك بقوله :﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَءابَاءهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر﴾ يعني ما حملهم على الإعراض إلا الإغترار بطول المهلة.
يعني طالت أعمارهم في الغفلة فنسوا عهدنا وجهلوا موقع مواقع نعمتنا واغتروا بذلك.


الصفحة التالية
Icon