وتعقب بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم إذا ذكروا لا يذكرون ألا يرى قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء ﴾ [ الأنبياء : ٤٥ ] وما ذكر يقتضي العكس لتضمنه وصفهم بإجداء الإنذار والدعاء مع أن قوله غير غافلين مناف لما يدل عليه النظم الكريم فالحق ما تقدم
﴿ أَمْ لَهُمْ ءالِهَةً تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا ﴾
إعراض عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظ إليها، فأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة و﴿ لَهُمْ ﴾ خبر مقدم و﴿ ءالِهَةً ﴾ مبتدأ وجلمة ﴿ تَمْنَعُهُمْ ﴾ صفته و﴿ مّن دُونِنَا ﴾ قيل صفة بعد صفة أي بل ألهم آلهة مانعة لهم متجاوزة منعنا أو حفظنا فهم معولون عليها واثقون بحفظها، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن في الكلام تقديماً وتأخيراً والأصل أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم، وعليه يكون ﴿ مّن دُونِنَا ﴾ صفة أيضاً، وقال الحوفي : أنه متعلق بتمنعهم أي بل ألهم آلهة تمنعهم من عذاب من عندنا، والاستفهام لإنكار أن يكون لهم آلهة كذلك، وفي توجيه الإنكار والنفي إلى وجود الآلهة الموصوفة بما ذكر لا إلى نفس الصفة بأن يقال أم تمنعهم آلهتهم الخ من الدلالة على سقوطها عن مرتبة الوجود فضلاً عن رتبة المنع ما لا يخفى.
وقال بعض الأجلة : إن الإضراب الذي تضمنته ﴿ أَمْ ﴾ عائد على الأمر بالسؤال كالإضراب السابق لكنه أبلغ منه من حيث أن سؤال الغافل عن الشيء بعيد وسؤال المعتقد لنقيضه أبعد، وفهم منه بعضهم أن الهمزة عليه للتقرير بما في زعم الكفرة تهكماً.
وتعقب أنه ليس بمتعين فيجوز أن يكون للإنكار لا بمعنى أنه لم يكن منهم زعم ذلك بل بمعنى أنه لم كان مثله مما لا حقيقة له، والأظهر عندي جعله عائداً على الوصف بالإعراض كما سمعت أولاً.


الصفحة التالية
Icon