فلا تقول : حاق به الخير بمعنى أحاط به. والأظهر في معنى الآية : أن المراد : وحاق بهم العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ويستهزؤون به، وعلى هذا اقتصر ابن كثير. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة :﴿ فَحَاقَ ﴾ أي أحاط ودار ﴿ بالذين ﴾ كفروا و﴿ سَخِرُواْ مِنْهُمْ ﴾ وهزءوا بهم ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي جزاء استهزائهم. والأول أظهر، والعلم عند الله تعالى. والآية تدل على أن السخرية من الاستهزاء وهو معروف.
قوله تعالى :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن ﴾.
أمر الله جل وعلا نبيه ﷺ في هذه الآية الكريمة : أن يقول للمعرضين عن ذكر ربهم :﴿ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ أي من هو الذي يحفظكم ويحرسكم ﴿ بالليل ﴾ في حال نومكم ﴿ والنهار ﴾ في حال تصرفكم في أموركم. والكِلاءة بالكسر : الحفظ والحِراسة. يقال : اذهب في كِلاءة الله. أي في حفظه، واكتلأت منهم : احترست. ومنه قول ابن هرمة :
إنَّ سُلَيمى والله يكلؤها... ضنَّت بشيء ما كان يَرْزَؤُها
وقول كعب بن زهير :
أَنَخْت بَعيري واكْتَلأَت بِعَيْنِهِ... وآمرت نفسي أي أمري أفعلُ
و" من " في قوله ﴿ مِنَ الرحمن ﴾ فيها للعلماء وجهان معروفان : أحدهما وعليه اقتصر ابن كثير : أن " من " هي التي بمعنى بدل. وعليه فقوله ﴿ مِنَ الرحمن ﴾ أي بدل الرحمن، يعني غيره. وأنشد ابن كثير لذلك قول الراجز :
جارية لم تلبس المرققا... ولم تذق من البقول الفستقا
أي لم تذق بدل البقول الفستق. وعلى هذا القول فالآية كقوله تعالى :﴿ أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة ﴾ [ التوبة : ٣٨ ] أي بدلها ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر.
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة... ظلما ويكتب للأمير أفيلا


الصفحة التالية
Icon