فصل


قال الفخر :
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (٥١) ﴾
( القصة الثانية، ( قصة ) إبراهيم عليه السلام )
اعلم أن قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى :
في الرشد قولان : الأول : أنه النبوة واحتجوا عليه بقوله :﴿وَكُنَّا بِهِ عالمين﴾ قالوا : لأنه تعالى إنما يخص بالنبوة من يعلم من حاله أنه في المستقبل يقوم بحقها ويجتنب ما لا يليق بها ويحترز عما ينفر قومه من القبول.
والثاني : أنه الاهتداء لوجوه الصلاح في الدين والدنيا قال تعالى :﴿فَإِنْ آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم﴾ وفيه قول ثالث وهو أن تدخل النبوة والاهتداء تحت الرشد إذ لا يجوز أن يبعث نبي إلا وقد دله الله تعالى على ذاته وصفاته ودله أيضاً على مصالح نفسه ومصالح قومه وكل ذلك من الرشد.
المسألة الثانية :
احتج أصحابنا في أن الإيمان مخلوق لله تعالى بهذه الآية فإنه لو كان الرشد هو التوفيق والبيان فقد فعل الله تعالى ذلك بالكفار فيجب أن يكون قد آتاهم رشدهم.
أجاب الكعبي : بأن هذا يقال فيمن قبل لا فيمن رد، وذلك كمن أعطى المال لولدين فقبله أحدهما وثمره ورده الآخر أو أخذه ثم ضيعه.
فيقال : أغنى فلان ابنه فيمن أثمر المال، ولا يقال مثله فيمن ضيع.
والجواب عنه : هذا الجواب لا يتم إلا إذا جعلنا قبوله جزءاً من مسمى الرشد وذلك باطل، لأن المسمى إذا كان مركباً من جزأين ولا يكون أحدهما مقدور الفاعل لم يجز إضافة ذلك المسمى إلى ذلك الفاعل فكان يلزم أن لا يجوز إضافة الرشد إلى الله تعالى بالمفعولية لكن النص وهو قوله :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ﴾ صريح في أن ذلك الرشد إنما حصل من الله تعالى فبطل ما قالوه.
المسألة الثانية :
قال صاحب "الكشاف" : قرىء رشده كالعدم والعدم، ومعنى إضافته إليه أنه رشد مثله وأنه رشد له شأن.


الصفحة التالية
Icon