ولما تسبب عن قولهم هذا إقرارهم بأنهم لا فائدة فيهم، فاتجهت لإبراهيم عليه السلام الحجة عليهم، استأنف سبحانه الإخبار عنها بقوله :﴿قال﴾ منكراً عليهم موبخاً لهم مسبباً عن إقرارهم هذا :﴿أفتعبدون﴾ ونبههم على أن جميع الرتب تتضاءل دون رتبة الإلهية بقوله :﴿من دون الله﴾ أي من أدنى رتبة من تحت رتبة الملك الذي لا ضر ولا نفع إلا بيده لاستجماعه صفات الكمال.
ولما كانوا في محل ضرورة بسبب تكسير أصنامهم، راجين من ينفعهم في ذلك، قدم النفع فقال :﴿ما لا ينفعكم شيئاً﴾ لترجوه ﴿ولا يضركم﴾ شيئاً لتخافوه.
ولما أثبت أن معبوداتهم هذه في حيز العدم، فكانوا لعبادتها دونها، استأنف تبكيتهم لذلك بأعلى كلمات التحقير التي لا تقال إلا لما هو غاية في القذارة فقال :﴿أف﴾ أي تقذر وتحقير مني، وفي الأحقاف ما يتعين استحضاره هنا، ثم خص ذلك بهم بقوله :﴿لكم ولما تعبدون﴾ ولما كانت على وجه الإشراك، وكانت جميع الرتب تحت رتبته تعالى، وكانت أصنامهم هذه في رتب منها سافلة جداً أثبت الجار فقال :﴿من دون الله﴾ أي الملك الأعلى لدناءتكم وقذارتكم.
ولما تسبب عن فعلهم هذا وضوح أنه لا يقر به عاقل، أنكر عليهم ووبخهم على ترك الفكر تنبيهاً على أن فساد ما هم عليه يدرك ببديهة العقل فقال :﴿أفلا تعقلون﴾ أي وأنتم شيوخ قد مرت بكم الدهور وحنكتكم التجارب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٩٣ ـ ٩٥﴾


الصفحة التالية
Icon