﴿ إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾ ظرفٌ لآتينا على أنه وقت متّسعٌ وقع فيه الإيتاءُ وما ترتب عليه من أفعاله وأقواله، وقيل : مفعولٌ لمضمر مستأنَفٍ وقع تعليلاً لما قبله أي اذكر وقتَ قولِه لهم :﴿ مَا هذه التماثيل التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون ﴾ لتقف على كمال رشدِه وغايةِ فضله، والتِمثالُ اسمٌ لشيء مصنوعٍ مشبَّهٍ بخلق من خلائق الله تعالى وهذا تجاهلٌ منه عليه السلام حيث سألهم عن أصنامهم بغير التي يُطلب بها بيانُ الحقيقة، أو شرحُ الاسم كأنه لا يعرف أنها ماذا مع إحاطته بأن حقيقتها حجرٌ أو شجرٌ اتخذوها معبوداً، وعبّر عن عبادتهم لها بمطلق العكُوف الذي هو عبارةٌ عن اللزوم والاستمرار على الشير لغرض من الأغراض قصداً إلى تحقيرها وإذلالها وتوبيخاً لهم على إجلالها، واللام في لها للاختصاص دون التعديةِ وإلا لجيء بكلمة على، والمعنى أنتم فاعلون العكوفَ لها، وقد جُوّز تضمينُ العكوف معنى العبادة كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿ قَالُواْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عابدين ﴾ أجابوا بذلك لما أن مآلَ سؤاله عليه السلام الاستفسارُ عن سبب عبادتِهم لها كما ينبىء عنه وصفه عليه السلام إياهم بالعكوف لها، كأنه قال : ما هي؟ هل تستحق ما تصنعون من العكوف عليها؟ فلما لم يكن لهم ملجأٌ يعتدّ به التجأوا إلى التقليد فأبطله عليه السلام على طريقة التوكيد القسمي حيث ﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ ﴾ الذين سنّوا لكم هذه السنةَ الباطلة ﴿ فِى ضلال ﴾ عجيبٍ لا يقادَر قدرُه ﴿ مُّبِينٌ ﴾ أي ظاهر بيّن بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء كونُه كذلك، ومعنى كنتم مطلقُ استقرارِهم على الضلال لا استقرارُهم الماضي الحاصلِ قبل زمانِ الخطاب المتناولِ لهم ولآبائهم، أي والله لقد كنتم مستقرين على ضلال عظيم ظاهرٍ لعدم استنادِه إلى دليل ما، والتقليدُ إنما يجوز فيما يحتمل الحقية في الجملة. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon