والوجه الثاني : أقرب لأن لفظ الصلاح يتناول الكل لأنه سبحانه قال بعد هذه الآية :﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات﴾ فلو حملنا الصلاح على النبوة لزم التكرار واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لأن قوله ؛ ﴿وَكُلاًّ جَعَلْنَا صالحين﴾ يدل على أن ذلك الصلاح من قبله، أجاب الجبائي بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم صالحين وبكونهم أئمة وبكونهم عابدين.
ولما مدحهم بذلك، ولما أثنى عليهم، وإذا ثبت ذلك فلا بد من التأويل وهو من وجهين : الأول : أن يكون المراد أنه سبحانه آتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به.
والثاني : أن يكون المراد أنه سماهم بذلك كما يقال : زيد فسق فلاناً وضلله وكفره إذا وصفه بذلك وكان مصدقاً عند الناس، وكما يقال في الحاكم : زكى فلاناً وعدله وجرحه إذا حكم بذلك.
واعلم أن هذه الوجوه مختلة، أما اعتمادهم على المدح والذم.
فالجواب المعهود أن نعارضه بمسألتي الداعي والعلم، وأما الحمل على اللطف فباطل لأن فعل الإلطاف عام في المكلفين فلا بد في هذا التخصيص من مزيد فائدة، وأيضاً فلأن قوله : جعلته صالحاً، كقوله جعلته متحركاً، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر، وأما الحمل على التسمية فهو أيضاً مجاز أقصى ما في الباب أنه قد يصار إليه عند الضرورة في بعض المواضع وههنا لا ضرورة إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم، فحينئذ نرجع أيضاً إلى مسألتي الداعي والعلم.
النعمة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ وفيه قولان : أحدهما : أي جعلناهم أئمة يدعون الناس إلى دين الله تعالى والخيرات بأمرنا وإذننا.
الثاني : قول أبي مسلم أن هذه الإمامة هي النبوة، والأول أولى لئلا يلزم التكرار، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أمرين : أحدهما : على خلق الأفعال بقوله :﴿وجعلناهم أَئِمَّةً﴾ وتقريره ما مضى.