ومات أبوه في ( حاران ) كما في الإصحاح ١١ من التكوين فيتعين أن دعوة إبراهيم كانت من ( حاران ) لأنه من حاران خرج إلى أرض كنعان.
وقد اشتهر حرّان بأنه بلد الصابئة وفيه هيكل عظيم للصابئة، وكان قوم إبراهيم صابئة يعبدون الكواكب ويجعلون لها صوراً مجسمة.
والاستفهام في قوله تعالى :﴿ ما هذه التماثيل ﴾ يتسلط على الوصف في قوله تعالى :﴿ التي أنتم لها عاكفون ﴾ فكأنه قال : ما عبادتكم هذه التماثيل؟.
ولكنه صيغ بأسلوب توجه الاستفهام إلى ذات التماثيل لإبهام السؤال عن كنه التماثيل في بادىء الكلام إيماء إلى عدم الملاءمة بين حقيقتها المعبر عنها بالتماثيل وبين وصفها بالمعبودية المعبر عنه بعكوفهم عليها.
وهذا من تجاهل العارف استعمله تمهيداً لتخطئتهم بعد أن يسمع جوابهم فهم يظنونه سائلاً مستعلماً ولذلك أجابوا سؤاله بقولهم ﴿ وجدنا آباءنا لها عابدين ﴾ ؛ فإن شأن السؤال بكلمة ( مَا ) أنّه لطلب شرح ماهية المسؤول عنه.
والإشارة إلى التماثيل لزيادة كشف معناها الدال على انحطاطها عن رتبة الألوهية.
والتعبير عنها بالتماثيل يسلب عنها الاستقلال الذاتي.
والأصنام التي كان يعبدها الكلدان قوم إبراهيم هي ( بَعْل ) وهو أعظمها، وكان مصوغاً من ذهب وهو رمز الشمس في عهد سميرميس، وعبدوا رموزاً للكواكب ولا شك أنهم كانوا يعبدون أصنام قوم نوح : ودّاً، وسُواعاً، ويغوثَ، ويعوقَ، ونسْراً، إما بتلك الأسماء وإما بأسماء أخرى.
وقد دلت الآثار على أن من أصنام أشور ( إخوان الكلدان ) صنماً اسمه ( نَسْروخ ) وهو نَسْر لا محالة.
وجعْل العكوففِ مسنداً إلى ضميرهم مؤذن بأن إبراهيم لم يكن من قبل مشاركاً لهم في ذلك فيعلم منه أنّه في مقام الرد عليهم، ذلك أن الإتيان بالجملة الاسمية في قوله تعالى :﴿ أنتم لها عاكفون ﴾ فيه معنى دوامهم على ذلك.
وضمن ﴿ عاكفون ﴾ معنى العبادة، فلذلك عدّي باللام لإفادة ملازمة عبادتها.