وقال القرطبى :
﴿ قالوا أَجِئْتَنَا بالحق ﴾
أي أجاءٍ أنت بحقّ فيما تقول؟ ﴿ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين ﴾ أي لاعب مازح.
﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض ﴾ أي لست بلاعب، بل ربكم والقائم بتدبيركم خالق السموات والأرض.
﴿ الذي فطَرَهُنَّ ﴾ أي خلقهن وأبدعهن.
﴿ وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين ﴾ أي على أنه رب السموات والأرض.
والشاهد يبين الحكم، ومنه "شَهِدَ اللَّهُ" بَيَّن الله ؛ فالمعنى : وأنا أبيّن بالدليل ما أقول.
قوله تعالى :﴿ وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ أخبر أنه لم يكتف بالمحاجّة باللسان بل كسر أصنامهم فِعل واثق بالله تعالى، موطن نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن الدين.
والتاء في "تَاللَّهِ" تختص في القسم باسم الله وحده، والواو تختص بكل مظهر، والباء بكل مضمر ومظهر.
قال الشاعر :
تاللَّهِ يَبْقَى على الأيام ذو حِيَدٍ...
بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ
وقال ابن عباس : أي وحرمة الله لأكِيدن أصنامكم، أي لأمكرنّ بها.
والكيد المكر.
كاده يكيده كيداً ومكيدة، وكذلك المكايدة ؛ وربما سمي الحرب كيدا ؛ يقال : غزا فلان فلم يَلق كيداً، وكل شيء تعالجه فأنت تكيده.
﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾ أي منطلقين ذاهبين.
وكان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم : لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا روي ذلك عن ابن مسعود على ما يأتي بيانه في "والصافاتِ" فقال إبراهيم في نفسه :﴿ وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾.
قال مجاهد وقتادة : إنما قال ذلك إبراهيم في سر من قومه، ولم يسمعه إلا رجل واحد وهو الذي أفشاه عليه.
والواحد يخبر عنه بخبر الجمع إذا كان ما أخبر به مما يرضى به غيره.
ومثله ﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل ﴾ [ المنافقون : ٨ ].
وقيل : إنما قاله بعد خروج القوم، ولم يبق منهم إلا الضعفاء فهم الذين سمعوه.


الصفحة التالية
Icon