ولما سألهم أجابوه بالتقليد البحت، وأنه فعل آبائهم اقتدوا به من غير ذكر برهان، وما أقبح هذا التقليد الذي أدى بهم إلى عبادة خشب وحجر ومعدن ولجاجهم في ذلك ونصرة تقليدهم وكان سؤاله إياهم عن عبادة التماثيل وغايته أن يذكروا شبهة في ذلك فيبطلها، فلما أجابوه بما لا شبهة لهم فيه وبدا ضلالهم ﴿ قال : لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴾ أي في حيرة واضحة لا التباس فيها، وحكم بالضلال على المقلدين والمقلدين وجعل الضلال مستقراً لهم و﴿ أنتم ﴾ توكيد للضمير الذي هو اسم ﴿ كان ﴾ قال الزمخشري : و﴿ أنتم ﴾ من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ونحوه ﴿ اسكن أنت وزوجك الجنة ﴾ انتهى، وليس هذا حكماً مجمعاً عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال به لأن الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل المرفوع، ولا فصل وتنظيره ذلك : باسكن أنت وزوجك الجنة مخالف لمذهبه في ﴿ اسكن أنت وزوجك ﴾ لأنه يزعم أن وزوجك ليس معطوفاً على الضمير المستكن في ﴿ اسكن ﴾ بل قوله :﴿ وزوجك ﴾ مرتفع على إضمار، وليسكن فهو عنده من عطف الجمل وقوله هذا مخالف لمذهب سيبويه.
ولما جرى هذا السؤال وهذا الجواب تعجبوا من تضليله إياهم إذ كان قد نشأ بينهم وجوزوا أن ما قاله هو على سبيل المزاح لا الجد، فاستفهموه أهذا جد منه أم لعب والضمير في ﴿ قالوا ﴾ عائد عى أبيه وقومه و﴿ بالحق ﴾ متعلق بقولهم ﴿ أجئتنا ﴾ ولم يريدوا حقيقة المجيء لأنه لم يكن عنهم غائباً فجاءهم وهو نظير ﴿ قال أو لو جئتك بشيء مبين ﴾ والحق هنا ضد الباطل وهو الجد، ولذلك قابلوه باللعب، وجاءت الجملة اسمية لكونها أثبت كأنهم حكموا عليه بأنه لاعب هازل في مقالته لهم ولكونها فاصلة.


الصفحة التالية
Icon