وقال أبو حيان :
ولما ذكر تعالى قصة إبراهيم وهو أبو العرب وتنجيته من أعدائه ذكر قصة أبي العالم الإنسي كلهم وهو الأب الثاني لآدم لأنه ليس أحد من نسله من سام وحام ويافث، وانتصب ﴿ نوحاً ﴾ على إضمار اذكر أي واذكر ﴿ نوحاً ﴾ أي قصته ﴿ إذ نادى ﴾ ومعنى نادى دعا مجملاً بقوله ﴿ إني مغلوب ﴾ فانتصر مفصلاً بقوله ﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ﴾ والكرب أقصى الغم والأخذ بالنفس، وهو هنا الغرق عبر عنه بأول أحوال ما يأخذ الغريق، وغرقت في بحر النيل ووصلت إلى قرار الأرض ولحقني من الغم والكرب ما أدركت أن نفسي صارت أصغر من البعوضة، وهو أول أحوال مجيء الموت.
﴿ ونصرناه من القوم ﴾ عداه بمن لتضمنه معنى ﴿ نجيناه ﴾ بنصرنا ﴿ من القوم ﴾ أو عصمناه ومنعناه أي من مكروه القوم لقوله ﴿ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾ وقال الزمخشري : هو نصر الذي مطاوعه انتصر، وسمعت هذلياً يدعو على سارق : اللهم انصرهم منه أي اجعلهم منتصرين منه، وهذا معنى في نصر غير المتبادر إلى الذهن.
وقال أبو عبيدة ﴿ من ﴾ بمعنى على أي ﴿ ونصرناه ﴾ على ﴿ القوم ﴾ ﴿ فأغرقناهم ﴾ أي أهلكناهم بالغرق.
و﴿ أجمعين ﴾ تأكيد للضمير المنصوب.
وقد كثر التوكيد بأجمعين غير تابع لكلهم في القرآن، فكان ذلك حجة على ابن مالك في زعمه أن التأكيد بأجمعين قليل، وأن الكثير استعماله تابعاً لكلهم. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٦ صـ ﴾