إذن : استجاب الله دُعَاءه ونداءه ﴿ فاستجبنا لَهُ... ﴾ [ الأنبياء : ٧٦ ] وفي موضع آخر :﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المجيبون ﴾ [ الصافات : ٧٥ ] فوصف الحق سبحانه إجابته لنوح ب ( نِعْم ) الدالة على المدح.
فهل يعني ذلك أن هناك مَنْ يكون بِئْس المجيب؟ قالوا : نعم إذا سألته شيئاً فأجابك إليه وهو شَرٌّ لك، أمَّا الحق سبحانه فهو نِعْم المجيب ؛ لأنه لا يُجيبك إلا بما هو صالح ونافع لك، فإنْ كان في دعائك شَرٌّ ردَّه لعلمه سبحانه أنه لن ينفعك.
وكأن الحق الأعلى سبحانه يقول لك : أنا لستُ موظفاً عندك، أجيبك إلى كُلِّ ما تطلب، إنما أنا قيُّوم عليك، وقد تدعو بما تظنّه خيراً لك، وأعلم بأزلية عِلْمي أن ذلك شر لا خيرَ فيه، فيكون الخير لك أَلاَّ أجيبك ؛ لأنني نِعْمَ المجيب.
وهَبْ أن الله تعالى يجيب كُلاً منّا إلى ما يريد، فكيف حال الأم التي تغضب مثلاً من وحيدها، وفي لحظة الغضب والثورة تدعو عليه فتقول مثلاً :( إلهي أشرب نارك ) ؟ فالحق - تبارك وتعالى - حين يردُّ مِثْل هذا الدعاء هو نِعْم المجيب ؛ لأنه نِعْم المانع.
لذلك يقول تعالى :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ [ الإسراء : ١١ ] أي : يدعو ويُلِحُّ في الدعاء بما يظنُّه خَيْراً، وهو ليس كذلك. ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم... ﴾.
مازالت الآيات تقصُّ علينا طرفاً مُوجزاً من رَكْب النبوات، ونحن في سورة الأنبياء، وحينما نتأمل هذه الآية نجد أن الله تعالى يُعذَّب بالماء كما يُعذِّب بالنار، مع أنهما ضِدَّانِ لا يلتقيان، فلا يقدر على هذه المسألة إلا خالقهما سبحانه وتعالى.