فصل
قال الفخر :
﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾
( القصة الخامسة، قصة داود وسليمان عليهما السلام )
اعلم أن قوله تعالى : وداود وسليمان وأيوب وزكريا وذا النون، كله نسق على ما تقدم من قوله :﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ﴾ [ الأنبياء : ٥١ ] ومن قوله :﴿وَلُوطاً اتيناه حُكْماً وَعِلْماً﴾ [ الأنبياء : ٧٤ ] واعلم أن المقصود ذكر نعم الله تعالى على داود وسليمان فذكر أولاً النعمة المشتركة بينهما، ثم ذكر ما يختص به كل واحد منهما من النعم.
أما النعمة المشتركة فهي القصة المذكورة وهي قصة الحكومة، ووجه النعمة فيها أن الله تعالى زينهما بالعلم والفهم في قوله :﴿وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ ثم في هذا تنبيه على أن العلم أفضل الكمالات وأعظمها، وذلك لأن الله تعالى قدم ذكره ههنا على سائر النعم الجليلة مثل تسخير الجبال والطير والريح والجن.
وإذا كان العلم مقدماً على أمثال هذه الأشياء فما ظنك بغيرها وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال ابن السكيت النفش أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع، وهذا قول جمهور المفسرين، وعن الحسن أنه يجوز ذلك ليلاً ونهاراً.
المسألة الثانية :
أكثر المفسرين على أن الحرث هو الزرع، وقال بعضهم : هو الكرم والأول أشبه بالعرف.
المسألة الثالثة :
احتج من قال : أقل الجمع اثنان بقوله تعالى :﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين﴾ مع أن المراد داود وسليمان.
جوابه : أن الحكم كما يضاف إلى الحاكم فقد يضاف إلى المحكوم له، فإذا أضيف الحكم إلى المتحاكمين كان المجموع أكثر من الإثنين، وقرىء وكنا لحكمهما شاهدين.
المسألة الرابعة :
في كيفية القصة وجهان.