وأما الثاني : فلأنه تعالى لم يقل إن كلا آتيناه حكماً وعلماً بما حكم به، بل يجوز أن يكون آتيناه حكماً وعلماً بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام، على أنه لا يلزم من كون كل مجتهد مصيباً في شرعهم أن يكون الأمر كذلك في شرعنا.
السؤال السادس : لو وقعت هذه الواقعة في شرعنا ما حكمها ؟ الجواب : قال الحسن البصري : هذه الآية محكمة، والقضاة بذلك يقضون إلى يوم القيامة، واعلم أن كثيراً من العلماء يزعمون أنه منسوخ بالإجماع ثم اختلفوا في حكمه فقال الشافعي رحمه الله : إن كان ذلك بالنهار لا ضمان لأن لصاحب الماشية تسييب ماشيته بالنهار، وحفظ الزرع بالنهار على صاحبه.
وإن كان ليلاً يلزمه الضمان لأن حفظها بالليل عليه.
وقال أبو حنيفة رحمه الله : لا ضمان عليه ليلاً كان أو نهاراً إذا لم يكن متعدياً بالإرسال، لقوله ﷺ :" جرح العجماء جبار " واحتج الشافعي رحمه الله بما روي عن البراء بن عازب أنه قال :" كانت ناقة ضارية فدخلت حائطاً فأفسدته فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل " وهذا تمام القول في هذه الآية.
ثم إن الله تعالى ذكر بعد ذلك من النعم التي خص بها داود عليه أمرين : الأول : قوله تعالى :﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبّحْنَ والطير وَكُنَّا فاعلين﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
في تفسير هذا التسبيح وجهان : أحدهما : أن الجبال كانت تسبح ثم ذكروا وجوهاً.
أحدها : قال مقاتل إذا ذكر داود عليه السلام ربه ذكرت الجبال والطير ربها معه.
وثانيها : قال الكلبي : إذا سبح داود أجابته الجبال.
وثالثها : قال سليمان بن حيان : كان داود عليه السلام إذا وجد فترة أمر الله تعالى الجبال فسبحت فيزداد نشاطاً واشتياقاً.