وقال أبو السعود :
﴿ وَذَا النون ﴾ أي واذكر صاحب الحوت وهو يونسُ عليه السلام ﴿ إِذ ذَّهَبَ مغاضبا ﴾ أي مراغِماً لقومه لمّا برِمَ من طول دعوته إياهم وشدةِ شكيمتهم وتمادي إصرارِهم مهاجراً عنهم قبل أن يؤمر، وقيل : وعدَهم بالعذاب فلم يأتِهم لميعادهم بتوبتهم ولم بعرف الحال فظن أنه كذّبهم فغضِب من ذلك، وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجَرة لخوفهم لحوقَ العذاب عندما وقرىء مُغضَباً ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي لن نضيّقَ عليه أو لن نقضيَ عليه بالعقوبة من القدر، ويؤيده أنه قرىء مشدداً أو لن نُعمِل فيه قدرتَنا، وقيل : هو تمثيلٌ لحاله بحال مَنْ يظن أن لن نقدر عليه أي نعامله معاملةَ من يظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومَه من غير انتظار لأمرنا كما في قوله تعالى :﴿ يَحْسَبُ أَن مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾ أي نعامله معاملةَ من يحسَب ذلك، وقيل : خطرةٌ شيطانية سبقت إلى وهمه فسُمّيت ظنًّا للمبالغة، وقرىء بالياء مخففاً ومثقلاً مبنياً للمفعول ﴿ فنادى ﴾ الفاءُ فصيحة أي فكان ما كان من المساهمة والتقامِ الحوت فنادى ﴿ فِى الظلمات ﴾ أي في الظلمة الشديدةِ المتكاثفة أو في ظلمات بطنِ الحوتِ والبحرِ والليل، وقيل : ابتلع حوتَه حوتٌ أكبرُ منه فحصل في ظلمتي بطني الحوتين وظلمتي البحر والليل ﴿ أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ ﴾ أي بأنه لا إله إلا أنت على أنّ أنْ مخففةٌ من أنّ وضميرُ الشأن محذوف، أو أي لا إله إلا أنت على أنها مفسّرة ﴿ سبحانك ﴾ أنزهك تنزيهاً لائقاً بك من أن يُعجزك شيءٌ أو أن يكون ابتلائي بهذا بغير سبب من جهتي ﴿ إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت إلى المهاجرة.