فكان يصعد بعد ذلك إلى ثلاث إلى زمان نبينا محمد ﷺ فحجب عند ذلك عن جميع السموات إلا من استرق السمع، قال : فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب فأدركه الحسد، فصعد سريعاً حتى وقف من السماء موقفاً كان يقفه، فقال : يا رب إنك أنعمت على عبدك أيوب فشكرك وعافيته فحمدك ثم لم تجربه بشدة ولا بلاء وأنا لك زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرن بك، فقال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك على ماله.
فانقض الملعون حتى وقع إلى الأرض وجمع عفاريت الشياطين، وقال لهم : ماذا عندكم من القوة فإني سلطت على مال أيوب ؟ قال عفريت : أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصاراً من نار فأحرقت كل شيء آتى عليه، فقال إبليس : فأت الإبل ورعاءها فذهب ولم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار لا يدنو منها شيء إلا احترق فلم يزل يحرقها ورعاءها حتى أتى على آخرها، فذهب إبليس على شكل بعض أولئك الرعاة إلى أيوب فوجده قائماً يصلي، فلما فرغ من الصلاة قال : يا أيوب هل تدري ما صنع ربك الذي اخترته بإبلك ورعائها ؟ فقال أيوب : إنها ماله أعارنيه وهو أولى به إذا شاء نزعه.
قال إبليس : فإن ربك أرسل عليها ناراً من السماء فاحترقت ورعاؤها كلها وتركت الناس مبهوتين متعجبين منها.
فمن قائل يقول : ما كان أيوب يعبد شيئاً وما كان إلا في غرور، ومن قائل يقول : لو كان إله أيوب يقدر على شيء لمنع من وليه، ومن قائل آخر يقول : بل هو الذي فعل ما فعل ليشمت عدوه به ويفجع به صديقه.
فقال أيوب عليه السلام : الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني، عرياناً خرجت من بطن أمي، وعرياناً أعود في التراب، وعرياناً أحشر إلى الله تعالى، ولو علم الله فيك أيها العبد خيراً لنقل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيداً وآجرني فيك، ولكن الله علم منك شراً فأخرك.
فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئاً.


الصفحة التالية
Icon