ثم قال في الكلام على يونس عليه السلام : وأما إخبار الله تعالى أن يونس ذهب مغاضباً، فلم يغاضب ربه قط، ولا قال الله تعالى إنه غاضب ربه. فمن زاد هذه الزيادة كان قائلاً على الله الكذب، وزائداً في القرآن ما ليس فيه. هذا لا يحل ولا يجوز أن يظن بمن له أدنى مسكة من عقل، أنه يغاضب ربه تعالى. فكيف أن يفعل ذلك نبيٌّ من الأنبياء ؟ فعلمنا يقيناً أنه إنما غاضب قومه، ولم يوافق ذلك مراد الله عزّ وجلّ، فعوقب بذلك. وإن كان يونس عليه السلام لم يقصد بذلك إلا رضاء الله عزّ وجلّ. وأما قوله تعالى :﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ فليس على ما ظنوه من الظن السخيف الذي لا يجوز أن يظن بضعيفة من النساء أو بضعيف من الرجال. إلا أن يكون قد بلغ الغاية من الجهل. فكيف بنبيّ مفضل على الناس في العلم ؟ ومن المحال المتيقن أن يكون نبيّ يظن أن الله تعالى الذي أرسله بدينه لا يقدر عليه. وهو يرى أن آدميّاً مثله يقدر عليه. ولا شك في أن من نسب هذا للنبيّ ﷺ الفاضل، فإنه يشتد غضبه لو نسب ذلك إليه أو إلى ابنه. فكيف إلى يونس بن متى الذي يقول فيه رسول الله ﷺ :< لا تفضلوني على يونس بن متى ؟ > فقد بطل ظنهم بلا شك، وصح أن معنى قوله :﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي : لن نضيق عليه كما قال تعالى :﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ﴾ [ الفجر : ١٦ ]، أي : ضيق عليه. فظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لا يضيق عليه في مغاضبته لقومه، إذ ظن أنه محسن في فعله ذلك : وإنما نهى الله عزّ وجلّ، محمداً ﷺ عن أن يكون كصاحب الحوت، فنعم، نهاه الله عزّ وجلّ عن مغاضبة قومه، وأمره بالصبر على أذاهم وبالمطاولة لهم. وأما قوله تعالى : أنه استحق الذم والملامة، لولا النعمة التي تداركه بها، للبث معاقباً في بطن الحوت، فهذا نفس ما


الصفحة التالية
Icon