وقال الشيخ الشنقيطى :
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى ﴾
أي واذكر ذان النون. والنون : الحوت. " وذا " بمعنى صاحب. فقوله ﴿ ذَا النون ﴾ معناه صاحب الحوت. كما صرح الله بذلك في " القلم " في قوله ﴿ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت ﴾ [ القلم : ٤٨ ] الآية. وإنما أضافه إلى الحوت لأنه التقمه كما قال تعالى :﴿ فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [ الصافات : ١٤٢ ].
وقوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ فيه وجهان من التفسير لا يكذب أحدهما الآخر :
الأول أن المعنى ﴿ لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي لن نضيق عليه في بطن الحوت. ومن إطلاق " قدر " بمعنى " ضيق " في القرآن قوله تعالى :﴿ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ ﴾ [ الرعد : ٢٦ ] أي ويضيق الرزق على من يشاء، وقوله تعالى :﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله ﴾ [ الطلاق : ٧ ] الآية. فقوله :﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ أي ومن ضيق عليه رزقه.
الوجه الثاني أن معنى ﴿ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ لن نقضي عليه ذلك. وعليه فهو من القدر والقضاء. " وقدر " بالتخفيف تأتي بمعنى " قدر " المضعفة : ومنه قوله تعالى :﴿ فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [ القمر : ١٢ ] أي قدره الله. ومه قول الشاعر وأنشده ثعلب شاهداً لذلك :
فليست عشيات الحمى برواجع... لنا أبداً ما أورق السلم النضر
ولا عائذ ذاك الزمان الذي مضى... تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر