﴿وأنت﴾ أي والحال أنك أنت ﴿أرحم الراحمين﴾ فافعل بي ما يفعل الرحمن بالمضرور، وهذا تعريض بسؤال الرحمة حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وربّه بأبلغ صفاتها ولم يصرح، فكان ذلك ألطف في السؤال، فهو أجدر بالنوال ﴿فاستجبنا له﴾ أي أوجدنا إجابته إيجاد من كأنه طالب لها بسبب ندائه، هذا بعظمتنا في قدرتنا على الأمور الهائلة، وسبب عن ذلك قوله :﴿فكشفنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿ما به من ضر﴾ بأن أمرناه أن يركض برجله، فتنبع له عين من ماء، فيغتسل فيها، فينبت لحمه وجلده أحسن ما كان وأصحه ودل على تعاظم هذا الأمر بقوله :﴿وءاتيناه أهله﴾ أي أولاده وما تبعهم من حشمه، أحييناهم له بعد أن كانوا ماتوا ﴿ومثلهم﴾ أي وأوجدنا له مثلهم في الدنيا، فإن قوله :﴿معهم﴾ يدل على أنهم وجدوا عند وجدان الأهل، حال كون ذلك الكشف والإيتاء ﴿رحمة﴾ أي نعمة عظيمة تدل على شرفه بما شأنه العطف والتحنن، وهو من تسمية المسبب باسم السبب، وفخمها بقوله :﴿من عندنا﴾ بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له وأن غيرنا لم يكن يقدر على ذلك ﴿وذكرى﴾ أي عظة عظيمة ﴿للعابدين﴾ كلهم، ليتأسوا به فيصبروا إذا ابتلوا بفتنة الضراء ولا يظنوا أنها لهوانهم، ويشكروا إذا ابتلوا بنعمة السراء لئلا تكون عين شقائهم، واتبعه سبحانه بمن أنبع له من زمزم ماءً باقياً شريفاً، إشارة إلى شرفه وشرف ولده خاتم الرسل ببقاء رسالته ومعجزته فقال :﴿إسماعيل﴾ أي ابن إبراهيم عليهما السلام الذي سخرنا له من الماء بواسطة الروح الأمين ما عاش به صغيراً بعد أن كان هالكاً لا محالة، ثم جعلناه طعام طعم وشفاء سقم دائماً، وصناه - وهو كبير - من الذبح فذبحه أبوه واجتهد في إتلافه إمتثالاً لأمرنا فلم ينذبح كما اقتضته إرادتنا ﴿وإدريس﴾ أي ابن شيث بن آدم عليهم السلام الذي احييناه بعد موته ورفعناه مكاناً علياً، وهو أول نبي بعث من بني آدم عليهما السلام ﴿وذا الكفل﴾ الذي