وقال ابن عطية :
وقوله تعالى :﴿ إن هذه أمتكم ﴾ يحتمل الكلام أن يكون منقطعاً خطاباً لمعاصري محمد ﷺ ثم أخبر عن الناس أنهم تقطعوا ثم وعد وأوعد، ويحتمل أن يكون متصلاً أي جعلنا مريم ﴿ وابنها آية للعالمين ﴾ بأن بعث لهم بملة وكتاب وقيل لهم ﴿ إن هذه أمتكم ﴾ أي دعي الجميع إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته، ثم أخبر تعالى أَنهم بعد ذلك اختلفوا وتقطعوا أمرهم ثم فرق بين المحسن والمسيء فذكر المحسن بالوعد أي ﴿ فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ﴾ فهو بنعيمه مجازى وذكر المسيء في قوله، ﴿ حرام ﴾ إلى آخر الآية فتأمل الوعيد فيها على كل قول تذكرة فإنه بين، و" الكفران " مصدر كالكفر ومنه قول الشاعر :[ الطويل ]
رأيت أناساً لا تنام جدودُهم... وجدي ولا كفران لله نائم
واختلف القراء في قوله تعالى ﴿ وحرام ﴾، فقرأ عكرمة وغيره " وحَرِم " بفتح الحاء وكسر الراء، وقرأ جمهور السبعة و" حرام " وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم، و" حِرْم " بكسر الحاء وسكون الراء، وقرا ابن العباس بخلاف عنه " وحَرْم " بفتح وسكون الراء، وقرأت فرقة " وحَرّم " بفتح الحاء وشد الراء، وقرأت فرقة " وحُرِّم " بضم الحاء وكسر الراء وشدها، وقرأ قتادة ومطر الوراق " وحَرُم " بفتح الحاء وضم الراء، والمستفيض من هذه القراءات قراءة من قرأ و" حرم " وقراءة من قرأ و" حرام " وهما مصدران بمعنى نحو الحل والحلال، فأما معنى الآية فقالت فرقة " حرام وحرم " معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم ﴿ على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ﴾ إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هو صائرون إلى العقاب، وقال بعض هذه الفرقة الإهلاك هو بالطبع على القلوب ونحوه والرجوع هو إلى التوبة والإيمان، وقالت فرقة المعنى ﴿ وحرام ﴾ أي ممتنع، و" حرم " كذلك، ﴿ على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ﴾ وقالوا ﴿ لا ﴾ زائدة في الكلام واختلفوا في الإهلاك والرجوع بحسب القولين المذكورين، قال أبو علي يحتمل أن يرتفع " حرامُ " بالابتداء والخبر رجوعهم و﴿ لا ﴾ زائدة، ويحتمل أن يرتفع " حرام " على خبر الابتداء كأنه قال والإقالة والتوبة " حرام " ثم يكون التقدير " بأنهم لا يرجعون " فتكون ﴿ لا ﴾ على بابها كأنه قال هذا عليهم ممتنع بسبب كذا فالتحريم في الآية بالجملة ليس كتحريم الشرع الذي إن شاء المنهي ركبه.
قال القاضي أبو محمد : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحاً وهو مؤمن. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon