قال صاحب "الكشاف" رحمه الله :﴿أَوَّلَ خَلْقٍ﴾ مفعول ( نعيد ) الذي يفسره نعيده والكاف مكفوفة بما والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيهاً للإعادة بالابتداء، فإن قلت : ما بال خلق منكراً ؟ قلت : هو كقولك أول رجل جاءني زيد، تريد أول الرجال ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلاً رجلاً، فكذلك معنى أول خلق أول الخلق بمعنى أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع.
المسألة الثالثة :
اختلفوا في كيفية الإعادة فمنهم من قال : إن الله تعالى يفرق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم إنه يعيد تركيبها فذلك هو الإعادة، ومنهم من قال : إنه تعالى يعدمها بالكلية ثم إنه يوجدها بعينها مرة أخرى وهذه الآية دلالة على هذا الوجه لأنه سبحانه شبه الإعادة بالإبتداء.
ولما كان الابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم، وجب أن يكون الحال في الإعادة كذلك واحتج القائلون بالمذهب الأول بقوله تعالى :
﴿والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ﴾ [ الزمر : ٦٧ ] فدل هذا على أن السموات حال كونها مطوية تكون موجودة، وبقوله تعالى :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وهذا يدل على أن أجزاء الأرض باقية لكنها جعلت غير الأرض.
أما قوله تعالى :﴿وَعْداً عَلَيْنَا﴾ ففيه قولان : أحدهما : أن وعداً مصدر مؤكد لأن قوله :﴿نُّعِيدُهُ﴾ عدة للإعادة.
الثاني : أن يكون المراد حقاً علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه مع أن وقوع ما علم الله وقوعه واجب، ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله :﴿إِنَّا كُنَّا فاعلين﴾ أي سنفعل ذلك لا محالة وهو تأكيد لما ذكره من الوعد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٢ صـ ١٩٥ ـ ١٩٨﴾