وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ إِن الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى ﴾
سبب نزولها أنه " لما نزلت "إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" شَقَّ ذلك على قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، فجاء ابن الزّبعرى، فقال : ما لكم؟ قالوا : شتم آلهتنا، قال : وما قال؟ فأخبروه، فقال : ادعوه لي، فلما دعي رسول الله ﷺ، قال : يا محمد، هذا شيء لآلهتنا خاصة، أو لكل من عُبد من دون الله؟ قال :"لا، بل لكل من عُبد من دون الله"، فقال ابن الزِّبعرى : خُصمْتَ وربِّ هذه البنية، ألستَ تزعم أن الملائكة عباد صالحون، وأن عيسى عبد صالح، وأن عزيراً عبد صالح، فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، فضج أهل مكة "، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
وقال الحسين بن الفضل : إِنما أراد بقوله :﴿ وما تعبدون ﴾ الأصنام دون غيرها.
لأنه لو أراد الملائكة والناس، لقال :"ومَنْ"، وقيل :"إِنَّ" بمعنى :"إِلاَّ"، فتقديره : إِلا الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى، وهي قراءة ابن مسعود، وأبي نهيك، فإنهما قرءا :"إِلا الذين".
وروي عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية، فقال : أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن.
وفي المراد بالحسنى قولان.
أحدهما : الجنة، قاله ابن عباس، وعكرمة.
والثاني : السعادة، قاله ابن زيد.
قوله تعالى :﴿ أولئك عنها ﴾ أي : عن جهنم، وقد تقدم ذكرها ﴿ مُبْعَدُون ﴾ والبعد : طول المسافة، والحسيس : الصوت تسمعه من الشيء إِذا مَرَّ قريباً منك.
قال ابن عباس : لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إِذا نزلوا منازلهم من الجنة.
قوله تعالى :﴿ لا يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن أبي عبلة، وابن محيصن، وأبو جعفر الشيزري عن الكسائي :"لا يُحْزِنُهُم" بضم الياء وكسر الزاي.


الصفحة التالية
Icon