وقال أبو السعود :
﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾
شروعٌ في بيان حال المؤمنين إثرَ شرح حالِ الكفرة حسبما جرت به سنةُ التنزيل من شفْع الوعد بالوعيد وإيرادِ الترغيب مع الترهيب، أي سبقت لهم منا في التقدير الخَصلةُ الحسنى التي هي أحسنُ الخصال وهي السعادةُ، وقيل : التوفيقُ للطاعة أو سبقت لهم كلمتُنا بالبشرى بالثواب على الطاعة وهو الأدخلُ الأظهرُ في الحمل عليها لما أن الأولَين مع خفائهما ليسا من مقدورات المكلفين، فالجملةُ مع ما بعدها تفصيلٌ لما أُجمل في قوله تعالى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتبون ﴾ كما أن ما قبلها من قوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ الخ، تفصيلٌ لما أُجمل في قوله تعالى :﴿ وَحَرَامٌ ﴾ الخ ﴿ أولئك ﴾ إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتهم وبُعد منزلتِهم في الشرف والفضل، أي أولئك المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل ﴿ عَنْهَا ﴾ أي عن جهنم ﴿ مُبْعَدُونَ ﴾ لأنهم في الجنة وشتان بينها وبين النار، وما روي أن علياً رضي الله تعالى عنه خطب يوماً فقرأ هذه الآية ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ وطلحةُ والزبيرُ وسعدٌ وسعيدٌ وعبدُ الرحمن بنُ عوف وأبو عبيدةَ بنُ الجراح رضوانُ الله تعالى عنهم أجمعين، ثم أقيمت الصلاةُ فقام يجرّ رداءه ويقول :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ ليس بنص في كون الموصول عبارةً عن طائفة مخصوصة، والحسيسُ صوتٌ يُحَسّ به، أي لا يسمعون صوتَها سمعاً ضعيفاً كما هو المعهودُ عند كون المصوِّت بعيداً وإن كان صوتُه في غاية الشدة، لا أنهم لا يسمعون صوتَها الخفيَّ في نفسه فقط، والجملةُ بدلٌ من مبعَدون أو حال من ضميره مَسوقةٌ للمبالغة في إنقاذهم منها وقوله تعالى :﴿ وَهُمْ فِى مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون ﴾ بيانٌ لفوزهم بالمطالب إثرَ بيان خلاصِهم من المهالك والمعاطب أي


الصفحة التالية
Icon