وذكر جميع ذلك مما يفضي إلى الملل، ومن أراده فليرجع إلى الأسفار وغيره من كتب الصدر، والحق أنه قد وقع في كلام متقدمي الفلاسفة كثيراً مما هو ظاهر في مخالفة مدلول الآية الكريمة ولا يكاد يحتمل التأويل وهو مقتضى أصولهم وما يتراءى منه الموافقة فإنما يتراءى منه الموافقة في الجملة والتزام التوفيق بين ما يقوله المسلمون في أمر العالم بأسره وما يقوله الفلاسفة في ذلك كالتزام التوفيق بين الضب والنون بل كالتزام الجمع بين الحركة والسكون.
أيها المنكح الثريا سهيلا...
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت...
وسهيل إذا ما استقل يماني
فعليك بما نطق به الكتاب المبين أو صح عن الصادق الأمين ﷺ، وما عليك إذا خالفت الفلاسفة فأغلب ما جاؤوا به جعل وسفه ؛ ولعمري لقد ضل بكلامهم كثير من الناس وباض وفرخ في صدورهم الوسواس الخناس وهو جعجعة بلا طحن وقعقعة كقعقعة شن ولولا الضرورة التي لا أبديها والعلة التي عز مداويها لما أضعت في درسه وتدريسه شرخ شبابي ولما ذكرت شيئاً منه خلال سطور كتابي، هذا وأنا اسأل الله تعالى التوفيق للتمسك بحبل الحق الوثيق، ثم إن الظاهر من الأخبار الصحيحة أن العرش لا يطوي كما تطوى السماء فإن كان هو المحدد كما يزعمه الفلاسفة ومن تبع آثارهم فعدم دثوره بخصوصه مما صرح به من الفلاسفة الإسكندر الأفروديسي من كبار أصحاب أرسطاطاليس وإن خالفه في بعض المسائل، ومن حمل كلامه على خلاف ذلك فقد تعسف وأتى بما لا يسلم له، وظاهر الآية الكريمة أيضاً مشعر بعدم طيه للاقتصار فيها على طي السماء، والشائع عدم إطلاقها على العرش، ثم أن الطي لا يختض بسماء دون سماء بل تطوى جميعها لقوله تعالى :
﴿ والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ ﴾ [ الزمر : ٦٧ ].


الصفحة التالية
Icon