وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) ﴾
بعد أن ذكر سبحانه جزاء الكافرين في النار ذكر المقابل، وذِكْر المقابل يوضح المعنى، اقرأ قوله تعالى :﴿ إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [ الانفطار : ١٣ - ١٤ ].
ويقول :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً.. ﴾ [ التوبة : ٨٢ ] لذلك تظل المقارنة حيَّة في الذِّهْن.
ومعنى :﴿ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى.. ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] الحُسْنى : مؤنث الأحسن، تقول : هذا حَسَن، وهذه حسنة، فإنْ أردتَ المبالغة تقول : هذا أحسن، وهذه حُسْنى. مثل : أكبر وكُبْرى. ومعنى :﴿ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى.. ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] أنهم من أهل الطاعة، ومن أهل الجنة، فهكذا حُكْم الله لهم، وقد أخذ الله تعالى جزءاً من خَلْقه وقال :" هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي ".
ولا تقُلْ : ما ذنب هؤلاء؟ لأنه سبحانه حكم بسابق عِلْمه بطاعة هؤلاء، ومعصية هؤلاء.
وقوله :﴿ أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] أي : مبعدون عن النار.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشتهت.. ﴾.
حسيس النار : أزيزها، وما ينبعث منها من أصوات أول ما تشتعل ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٢ ] فلم يقُلْ مثلاً : وهم بما اشتهتْ أنفسهم، إنما ﴿ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ.. ﴾ [ الأنبياء : ١٠٢ ] كأنهم غارقون في النعيم ممَّا اشتهتْ أنفسهم، كأن شهوات أنفسهم ظرف يحتويهم ويشملهم. وهذا يُشوِّق أهل الخير والصلاح للجنة ونعيمها، حتى نعمل لها، ونُعِد العُدَّة لهذا النعيم.


الصفحة التالية
Icon