ثم يقول الحق سبحانه :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر.. ﴾.
ذلك لأنهم في نعيم دائم لا ينقطع، وعطاء غير مجذوذ، لا يفوتك بالفقر ولا تفوته بالموت ؛ لذلك :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر.. ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] وأيُّ فزع مع هذه النعمة الباقية؟ أو : لا يحزنهم فزع القيامة وأهوالها.
وقوله :﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] فقد صَدَقكم الله وَعْده، وأنجزَ لكم ما وعدكم به من نعيم الآخرة.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ.. ﴾.
أي : ما يحدث من عذاب الكفار وتنعيم المؤمنين سيكون ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ.. ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ] و( يَوْمَ ) : زمن وظَرْف للأحداث، فكأن ما يحدث للكافرين من العذاب والتنكيل، وما يحدث للمؤمنين من الخلود في النعيم يتم في هذا اليوم.
والسجل : هو القرطاس، والورق الذي نكتب فيه يُسمَّى سجلاً ؛ ولذلك الناس يقولون : نسجل كذا، أي : نكتبه في ورقة حتى يكون محفوظاً، والكتاب : هو المكتوب.
والحق سبحانه يقول في آية أخرى :﴿ والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.. ﴾ [ الزمر : ٦٧ ] يطويها بقدرته ؛ لأن اليمين عندنا هي الفاعلة في الأشياء، ولكن لا نأخذ الطي أنه الطي المعروف، بل نأخذه في إطار ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.. ﴾ [ الشورى : ١١ ].
وقوله تعالى :﴿ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ.. ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ] يدلنا على أن الحق سبحانه يتكلم عن الخَلْق الأول و﴿ نُّعِيدُهُ.. ﴾ تدل على وجود خَلْق ثَان.