والثاني : أنها تتعلَّقُ بفعلٍ مضمرٍ. قال الزمخشري :" ووجهٌ آخرُ : وهو أَنْ تَنْتَصِبَ الكافُ بفعلٍ مضمرٍ يفسِّره " نُعيده " و" ما " موصولةٌ أي : نُعيد مثلَ الذي بَدَأْنا نُعيده، و" أولَ خَلْقٍ " ظرف ل " بَدَأْناه " أي : أولَ ما خلق، أو حالٌ من ضميرِ الموصولِ السَّاقط من اللفظِ الثابتِ في المعنى ".
قال الشيخ :" وفي تقديرِه تهيئةُ " بَدَأْنا " لأَنْ يَنْصِبَ " أولَ خَلْقٍ " على المفعوليةِ وقَطْعُه عنه، من غيرِ ضرورةٍ تدعو إلى ذلك، وارتكابُ إضمارٍ بعيدٍ مُفَسَّراً ب " نُعِيْدُه "، وهذه عُجْمَةٌ في كتاب الله. وأمَّا قولُه " ووجهٌ آخرُ : وهو أن تنتصبَ الكافُ بفعلٍ مضمرٍ يفسِّرُه " نُعِيْدُه " فهو ضعيفٌ جداً ؛ لأنه مبنيٌّ على أن الكافَ اسمٌ لا حرفٌ، وليس مذهبَ الجمهور، وإنما ذهب إلى ذلك الأخفشُ. وكونُها اسماً عند البصريين مخصوصٌ بالشعرِ ". قلت : كلُّ ما قَدَّره فهو جارٍ على القواعدِ المنضبطةِ، وقادَه إلى ذلك المعنى الصحيحُ، فلا مُؤَاخَذَةَ عليه. يظهرُ ذلك بالتأمُّلِ لغيرِ الفَطِنِ.
وأمَّا قوله :" ما " ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها : أنها مصدريةٌ. والثاني : أنَّها بمعنى الذي. وقد تقدَّم تقريرُ هذين والثالث : أنها كافةٌ للكافِ عن العملِ كما هي في قولِه :
| ٣٣٦٦........................ | كما الناسُ مَجْرُوْمٌ عليه وجارِمُ |
فإنْ قلتَ : فما أولُ الخَلْقِ حتى يُعيدَه كما بدأه؟ قلت : أوَّلُه إيجادُه عن العَدَمِ، فكما أوجدَه أولاً عن عدمٍ يُعيده ثانياً عن عدمٍ ".