واعلم أنه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة، أعني مفهوم مخالفتها : أنه من يجادل بعلم على ضوء هدى كتاب منير، كهذا القرآن العظيم، ليحق الحق، ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة أن ذلك سائغ محمود لأن مفهوم قوله ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ الحج : ٨ ] أنه إن كان بعلم، فالأمر بخلاف ذلك، وليس في ذلك اتباع للشيطان، ويدل لهذا المفهوم المذكور قوله تعالى ﴿ ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ النحل : ١٢٥ ] وقوله تعالى ﴿ وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ].
وقال الفخر الرازي في تفسيره : هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل، يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة، فالمجادلة الباطلة : هي المراد من قوله ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ ﴾ [ الزخرف : ٥٨ ] والمجادلة الحقة هي المراد من قوله ﴿ وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ النحل : ١٢٥ ] ا ه. منه.
وقوله تعالى في هذه الآية ﴿ عَذَابِ السعير ﴾ يعني عذاب النار، فالسعير النار أعاذنا الله، وإخواننا المسلمين منها. والظاهر أن أصل السعير : فعيل، بمعنى : مفعول من قول العرب : سعر النار، يسعرها كمنع يمنع إذا أوقدها، وكذلك سعرها بالتضعيف، وعلى لغة التضعيف والتخفيف القراءتان السبعيتان في قوله ﴿ وَإِذَا الجحيم سُعِّرَتْ ﴾ [ التكوير : ١٢ ] فقد قرأه من السبعة نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان، وعاصم في رواية حفص : سعرت بتشديد العين وقرأه الباقون بتخفيف العين، ومما جرى من كلام العرب على نحو قراءة نافع، وابن ذكوان، وحفص قول بعض شعراء الحماسة :
قالت له عرسهُ يوماً لتُسْمعني... مهلاً فإِنَّ لنا في أمِّنا أربا
ولو رأتني في نار مُسعَّرة... ثم استطاعت لزادَت فوقُها حَطبا