أما العلم الاستدلالي فأنْ تستدل بشيء على شيء، كأنْ تدخل بيتك فتجد ( عقب سيجارة ) مثلاً في ( طفاية السجائر ) فتسأل : مَنْ جاءكم اليوم؟ ومثل الرجل العربي حين سار في الصحراء، فوجد على الأرض آثاراً لخفِّ البعير وبَعْره، فقال : البعرة تدل على البعير، والقدم تدل على المسير.
أما عِلْم الوحي فيأتي من أعلى، يلقيه الله سبحانه على مَنْ يشاء من عباده.
فعلى المجادل أن يستخدم واحداً من هذه الثلاثة ليجادل به، فإن جادل بغير علم فهي سفسطة لا طائل من ورائها.
وقد نزلت هذه الآية :﴿ وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ.. ﴾ [ الحج : ٣ ] في النضر بن الحارث، وكان يجادل عن غير علم في الوجود، وفي الوحدانية، وفي البعث.. إلخ.
والآية لا تخص النضر وحده، وإنما تخص كل مَنْ فعل فِعْله، ولَفَّ لفَّه من الجدل.
ثم يقول تعالى :﴿ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ﴾ [ الحج : ٣ ] أي : أن هذا الجدل قد يكون ذاتياً من عنده، أو بوسوسة الشيطان له بما يخالف منهج الله، سواء أكان شيطانَ الإنس أو شيطانَ الجن.
إذن : فالسيئات والانحرافات والخروج عن منهج الله لا يكون بوسوسة، إما من النفس التي لا تنتهي عن مخالفة، وإما من الشيطان الذي يُلِحُّ عليك إلى أنْ يوقِع بك في شِرَاكه.
لكن، لا نجعل الشيطان ( شماعة ) نعلق عليها كل سيئاتنا وخطايانا، فليست كل الذنوب من الشيطان، فمن الذنوب ما يكون من النفس ذاتها، وسبق أنْ قُلْنا : إذا كان الشيطان هو الذي يوسوس بالشر، فمَنِ الذي وسوس له أولاً؟ وكما قال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon