المعاني : اعلم أنه سبحانه لما حكى عنهم الجدال بغير العلم في إثبات الحشر والنشر وذمهم عليه فهو سبحانه أورد الدلالة على صحة ذلك من وجهين : أحدهما : الاستدلال بخلقة الحيوان أولاً وهو موافق لما أجمله في قوله :﴿قُلْ يُحْيِيهَا الذى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [ يس : ٧٩ ] وقوله :﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [ الإسراء : ٥١ ] فكأنه سبحانه وتعالى قال : إن كنتم في ريب مما وعدناكم من البعث، فتذكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولاً قادر على خلقكم ثانياً، ثم إنه سبحانه ذكر من مراتب الخلقة الأولى أموراً سبعة : المرتبة الأولى : قوله :﴿فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ﴾ وفيه وجهان : أحدهما : إنا خلقنا أصلكم وهو آدم عليه السلام من تراب، لقوله :﴿كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] وقوله :﴿مِنْهَا خلقناكم﴾ [ طه : ٥٥ ]، والثاني : أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية، والأغذية إما حيوان أو نبات وغذاء الحيوان ينتهي قطعاً للتسلسل إلى النبات، والنبات إنما يتولد من الأرض والماء، فصح قوله :﴿إِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ﴾ المرتبة الثانية : قوله :﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ والنطفة اسم للماء القليل أي ماء كان، وهو ههنا ماء الفحل فكأنه سبحانه يقول : أنا الذي قلبت ذلك التراب اليابس ماء لطيفاً، مع أنه لا مناسبة بينهما ألبتة المرتبة الثالثة : قوله :﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ العلقة قطعة الدم الجامدة، ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة المرتبة الرابعة : قوله :﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الأرحام مَا نَشَاءُ﴾ فالمضغة اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ، والمخلقة المسواة الملساء السالمة من النقصان والعيب، يقال خلق السواك والعود إذا سواه


الصفحة التالية
Icon