فصل


قال الفخر :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
في كيفية النظم وجهان : الأول : أخبر تعالى فيما تقدم عن أهوال يوم القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله.
ثم بين في هذه الآية قوماً من الناس الذين ذكروا في الأول.
وأخبر عن مجادلتهم الثاني : أنه تعالى بين أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها، فإن من الناس من يجادل في الله بغير علم، ثم في قوله :﴿وَمِنَ الناس﴾ وجهان : الأول : أنهم الذين ينكرون البعث، ويدل عليه قوله :﴿أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ﴾ [ يس : ٧٧ ] إلى آخر الآية.
وأيضاً فإن ما قبل هذه الآية وصف البعث وما بعدها في الدلالة على البعث، فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث والثاني : أنها نزلت في النضر بن الحرث، كان يكذب بالقرآن ويزعم أنه أساطير الأولين، ويقول ما يأتيكم به محمد كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.
المسألة الثانية :
هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة، فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله :﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ﴾ [ الزخرف : ٥٨ ] والمجادلة الحقة هي المراد من قوله :﴿وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ [ النحل : ١٢٥ ].
المسألة الثالثة :
في قوله :﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ﴾ قولان : أحدهما : يجوز أن يريد شياطين الإنس وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني : أن يكون المراد بذلك إبليس وجنوده، قال الزجاج المريد والمارد المرتفع الأملس، يقال صخرة مرداء أي ملساء، ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز حد مثله.


الصفحة التالية
Icon