ألا ترى إلى قوله :﴿يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة﴾، وقولهم :﴿قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين﴾ قال وهب : كانوا قد ارتكبوا ذنوباً، فقيل لهم :﴿ادخلوا﴾ الآية.
وقال غيره : ملوا المنّ والسلوى، فقيل لهم : اهبطوا مصراً، وكان أوّل ما لقوا أريحا.
وفي قوله :﴿هذه القرية﴾ دليل على أنهم قاربوها وعاينوها، لأن هذه إشارة لحاضر قريب.
قيل : والذي قال لهم ذلك هو يوشع بن نون، فإنه نقل عنهم أنهم لم يدخلوا البيت المقدّس إلا بعد رجوعهم من قتال الجبارين، ولم يكن موسى ﴿معهم حين﴾ دخلوها، فإنه مات هو وأخوه في التيه.
وقيل : لم يدخلا التيه لأنه عذاب، والله لا يعذب أنبياءه.
﴿فكلوا منها حيث شئتم رغداً﴾ : تقدّم الكلام على نظير هذه الجملة في قصة آدم في قوله :﴿وكلا منها رغداً حيث شئتما﴾، إلا أن هناك العطف بالواو وهنا بالفاء، وهناك تقديم الرغد على الظرف، وهنا تقديم الظرف على الرغد، والمعنى فيهما واحد، إلا أن الواو هناك جاءت بمعنى الفاء، قيل : وهو المعنى الكثير فيها، أعني أنه يكون المتقدّم في الزمان والمعطوف بها هو المتأخر في الزمان، وإن كانت قد ترد بالعكس، وهو قليل.
وللمعية والزمان، وهو دون الأول، ويدل أنها بمعنى الفاء ما جاء في الأعراف من قوله :﴿فكلا﴾ بالفاء، والقضية واحدة.
وأما تقديم الرغد هناك فظاهر، فإنه من صفات الأكل أو الآكل، فناسب أن يكون قريباً من العامل فيه ولا يؤخر عنه، ويفصل بينهما بظرف وإن لم يكن فاصلاً مؤثراً المنع لاجتماعهما في المعمولية لعامل واحد، وأما هنا فإنه أخر لمناسبة الفاضلة بعده، ألا ترى أن قوله :﴿فكلوا منها حيث شئتم رغداً﴾ وقوله :﴿وادخلوا الباب سجداً﴾، فهما سجعتان متناسبتان ؟ فلهذا، والله أعلم، كان هذان التركيبان على هذين الوضعين.