وعلى هذا الوجه فقوله :﴿ادخلوا﴾ إما أمر بدخول قرية قريبة منهم وهي " حبرون" لتكون مركزاً أولاً لهم، والأمر بالدخول أمر بما يتوقف الدخول عليه أعني القتال كما دلت عليه آية المائدة إذ قال :﴿ادخلوا الأرض المقدسة﴾ إلى قوله ﴿ولا ترتدوا على أدباركم﴾ فإن الارتداد على الأدبار من الألفاظ المتعارفة في الحروب كما قال تعالى :﴿فلا تولوهم الأدبار﴾ [ الأنفال : ١٥ ].
ولعل في الإشارة بكلمة ﴿هذه﴾ المفيدة للقرب ما يرجح أن القرية هي حبرون التي طلع إليها جواسيسهم.
والقرية بفتح القاف لا غير على الأصح البلدة المشتملة على المساكن المبنية من حجارة وهي مشتقة من القَرْي بفتح فسكون وبالياء وهو الجمع يقال : قَرى الشيء يَقريه إذا جمعه وهي تطلق على البلدة الصغيرة وعلى المدينة الكبيرة ذات الأسوار والأبواب كما أريد بها هنا بدليل قوله :﴿وادخلوا الباب سجداً﴾.
وجمع القرية قُرى بضم القاف على غير قياس لأن قياس فُعَل أن يكون جمعاً لِفعْلة بكسر الفاء مثل كسوة وكُسى وقياس جمع قرية أن يكون على قِراء بكسر القاف وبالمد كما قالوا : رَكوة وركاء وشكوة وشكاء.
وقوله :﴿وادخلوا الباب سجداً﴾ مراد به باب القرية لأن أل متعينة للعوضية عن المضاف إليه الدال عليه اللفظ المتقدم.
ومعنى السجود عند الدخول الانحناء شكراً لله تعالى لا لأن بابها قصير كما قيل، إذ لا جدوى له.
والظاهر أن المقصود من السجود مطلق الانحناء لإظهار العجز والضعف كيلا يفطن لهم أهل القرية وهذا من أحوال الجوسسة، ولم تتعرض لها التوراة ويبعد أن يكون السجود المأمور به سجود الشكر لأنهم داخلون متجسسين لا فاتحين وقد جاء في الحديث الصحيح أنهم بدلوا وصية موسى فدخلوا يزحفون على استاهم كأنهم أرادوا إظهار الزمانة فأفرطوا في التصنع بحيث يكاد أن يفتضح أمرهم لأن بعض التصنع لا يستطاع استمراره.