والثاني : لا يدفع ركاكة التعليل، وما قيل : إنه تعليل للظلم فيكون إنزال العذاب مسبباً عن الظلم المسبب عن الفسق ليس بشيء، إذ ظلمهم المذكور سابقاً، الذي هو سبب الإنزال لا يحتاج إلى العلة، وقد احتج بعض الناس بقوله تعالى :﴿فَبَدَّلَ﴾ الخ ؛ وترتب العذاب على التبديل، على أن ما ورد به التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره ولا تبديله بلفظ آخر، وقال قول : يجوز ذلك إذا كانت الكلمة الثانية تسد الأولى، وعلى هذا جرى الخلاف كما في البحر في قراءة القرآن بالمعنى ورواية الحديث به، وجرى في تكبيرة الإحرام، وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة والبيع والتمليك، والبحث مفصل في محله هذا.
وقد ذكر مولانا الإمام الرازي رحمه الله تعالى أن هذه الآية ذكرت في الأعراف مع مخالفة من وجوه لنكات.
الأول : قال هنا :﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ [ البقرة : ٨ ٥ ] لما قدم ذكر النعم ؛ فلا بد من ذكر المنعم، وهناك ﴿وَإِذْ قِيلَ﴾ [ الأعراف : ١٦١ ] إذ لا إبهام بعد تقديم التصريح به.
الثاني : قال هنا :﴿ادْخِلُواْ﴾ وهناك ﴿اسكنوا﴾ لأن الدخول مقدم، ولذا قدم وضعاً المقدم طبعاً.
الثالث : قال هنا :﴿خطاياكم﴾ بجمع الكثرة لما أضاف ذلك القول إلى نفسه، واللائق بجوده غفران الذنوب الكثيرة، وهناك ﴿خطيئاتكم﴾ بجمع القلة إذ لم يصرح بالفاعل.
الرابع : قال هنا :﴿رَغَدًا﴾ دون هناك لإسناد الفعل إلى نفسه هنا، فناسب ذكر الإنعام الأعظم وعدم الإسناد هناك.
الخامس : قال هنا :﴿ادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ وهناك بالعكس، لأن الواو لمطلق الجمع، وأيضاً المخاطبون يحتمل أن يكون بعضهم مذنبين، والبعض الآخر ما كانوا كذلك، فالمذنب لا بد وأن يكون اشتغاله بحط الذنب مقدماً على اشتغاله بالعبادة، فلا جرم كان تكليف هؤلاء أن يقولوا :( حطة ) ثم يدخلوا وأما الذي لا يكون مذنباً، فالأولى به أن يشتغل أولاً : بالعبادة ثم يذكر التوبة.