من فوائد الإمام الجصاص فى الآية
قال رحمه الله :
قَوْله تَعَالَى :﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ يُحْتَجُّ بِهَا فِيمَا وَرَدَ مِنْ التَّوْقِيفِ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَقْوَالِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا إلَى غَيْرِهَا وَرُبَّمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا الْمُخَالِفُ فِي تَجْوِيزِنَا تَحْرِيمَةَ الصَّلَاةَ بِلَفْظِ التَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحِ، وَفِي تَجْوِيزِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي تَجْوِيزِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ :﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ يَعْنِي حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا ".
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا : هَذَا الْأَمْرُ حَقٌّ، كَمَا قِيلَ لَكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ :" أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَا إلَهِ إلَّا اللَّهُ فَقَالُوا بَدَلَ هَذَا حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ تَجَاهُلًا وَاسْتِهْزَاءً " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ :" إنَّمَا اسْتَحَقُّوا الذَّمَّ لَتَبْدِيلِهِمْ الْقَوْلَ إلَى لَفْظٍ فِي ضِدِّ الْمَعْنَى الَّذِي أُمِرُوا بِهِ " ؛ إذْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فَصَارُوا إلَى الْإِصْرَارِ وَالِاسْتِهْزَاءِ.