وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ تعليلٌ لما قبلَه وتقريرٌ له بطريقِ التَّحقيقِ أي يفعلُ البتة كلَّ ما يريدُه من الأفعالِ المتقنةِ اللاَّئقةِ المبنيَّةِ على الحكمِ الرَّائقةِ التي من جُملتها إثابةُ مَن آمنَ به وصدَّقَ رسولَه ﷺ وعقابُ مَن أشركَ به وكذَّب برسولِه عليه السَّلامُ ولمَّا كانَ هذا من آثارِ نُصرته تعالى له عليه السَّلامُ عُقِّب بقولِه عزَّ وعلا :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِى الدنيا والأخرة ﴾ تحقيقاً لها وتقريراً لثبوتها على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه. وفيه إيجازٌ بارعٌ واختصارٌ رائعٌ والمعنى : أنَّه تعالى ناصرٌ لرسوله في الدُّنيا والآخرةِ لا محالةَ من غير صارفٍ يَلويه ولا عاطفٍ يَثنيه فمن كانَ يغيظُه ذلك من أعاديهِ وحُسَّادِه ويظنُّ أنْ لَنْ يفعله تعالى بسببِ مدافعتِه ببعضِ الأمورِ ومباشرة ما يردُّه من المكايد فليبالغْ في استفراغِ المجهودِ وليجاوزْ في الجدِّ كلِّ حدَ معهودٍ فقُصارى أمرِه وعاقبةِ مكرِه أنْ يختنقَ حنقاً ممَّا يرى من ضلالِ مساعيهِ وعدمِ إنتاجِ مقدِّماتِه ومباديهِ ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليمدُدْ حبلاً إلى سقفِ بيتِه ﴿ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾ أي ليختنقْ، من قطَع إذا اختنقَ لأنَّه يقطع نفَسَه بحبسِ مجاريهِ وقيل : ليقطعِ الحبلَ بعد الاختناقِ على أنَّ المرادَ به فرضُ القطعِ وتقديرُه، كما أنَّ المرادَ بالنَّظرِ في قوله تعالى :﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ تقديرُ النَّظر وتصويرُه أي فليصوِّر في نفسِه النَّظرَ هل يُذهبنَّ كيدُه ذلك الذي هو أقصى ما انتهتْ إليه قدرتُه في باب المُضادَّةِ والمُضارَّةِ ما يغيظه من النُّصرةِ كلا، ويجوز أنْ يُراد فلينظر الآنَ أنَّه إنْ فعلَ ذلك هَلْ يُذهب ما يغيظُه، وقيل : المعنى فليمدُدْ حبلاً إلى السَّماءِ المُظِلَّةِ وليصعدْ عليه ثم ليقطعْ


الصفحة التالية
Icon