﴿وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى﴾ [ النجم : ٤٢ ] وكما أن الإمكان لازم للممكن حال حدوثه وبقائه فافتقاره إلى الواجب حاصل حال حدوثه وحال بقائه، وهذا الافتقار الذاتي اللازم للماهية أدل على الخضوع والتواضع من وضع الجبهة على الأرض فإن ذلك علامة وضعية للافتقار الذاتي، وقد يتطرق إليها الصدق والكذب، أما نفس الافتقار الذاتي فإنه ممتنع التغير والتبدل، فجميع الممكنات ساجدة بهذا المعنى لله تعالى أي خاضعة متذللة معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه وتكوينه، وعلى هذا تأولوا قوله :﴿وَإِن مّن شَيْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] وهذا قول القفال رحمه الله.
القول الثالث : أن سجود هذه الأشياء سجود ظلها كقوله تعالى :﴿يَتَفَيَّأُ ظلاله عَنِ اليمين والشمآئل سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ داخرون﴾ [ النحل : ٤٨ ] وهو قول مجاهد.
وأما قوله :﴿كَثِيرٍ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب﴾ فقال ابن عباس في رواية عطاء ( وكثير من الناس ) يوحده ( وكثير حق عليه العذاب ) ممن لا يوحده، وروى عنه أيضاً أنه قال ( وكثير من الناس ) في الجنة.
وهذه الرواية تؤكد ما ذكرنا أن قوله :﴿وَكَثِيرٌ مّنَ الناس﴾ مبتدأ وخبره محذوف، وقال آخرون : الوقف على قوله :﴿وَكَثِيرٌ مّنَ الناس﴾ ثم استأنف فقال :﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب﴾ أي وجب بإبائه وامتناعه من السجود.
وأما قوله تعالى :﴿وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ فالمعنى أن الذين حق عليهم العذاب ليس لهم أحد يقدر على إزالة ذلك الهوان عنهم فيكون مكرماً لهم، ثم بين بقوله :﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾ أنه الذي يصح منه الإكرام والهوان يوم القيامة بالثواب والعقاب، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٣ صـ ١٨ ـ ١٩﴾


الصفحة التالية
Icon