ولما كان انقلاب هذا مفسداً لآخرته بما ناله من الوزر، وغير نافع له في استدراك ما فاته من الدنيا، كانت فذلكة ذلك قوله :﴿خسر الدنيا﴾ أي بسبب أن ذلك لا يرد ما فاته منها ويكون سبب التقتير عليه وذهاب بركته ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ [ المائدة : ٦٦ ] " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " ﴿والآخرة﴾ بفوات أجر الصبر وحصول إثم الجزع : ثم عظم مصيبته بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم ﴿هو﴾ أي لا غير ﴿الخسران المبين﴾ ورى البخاري في التفسير عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ في هذه الآية قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ثم بين هذا الخسران الذي رده إلى ما كان فيه قبل الإيمان الحرفي بقوله :﴿يدعوا﴾ أي يعبد حقيقة أومجازاً مع التجدد والاستمرار بالاعتماد على غير الله ومنابذة ﴿وإياك نستعين﴾ [ الفاتحة : ٥ ].
ولما كان كل ما سوى الله دونه، نبه على ذلك بقوله :﴿من دون الله﴾ أي عن أدنى رتبة من رتب المستجمع لصفات الكمال.
ولما كان المتضي للعبادة إنما هو الفعل بالاختيار، وأما الفعل الذي يقتضيه الطبع والقسر عليه فلا عبرة به في ذلك، فإنه لا قدرة على الانفكاك عنه فلا حمد لفاعله، نبه على ذلك بقوله :﴿ما لا يضره﴾ أي بوجه من الوجوه حتى ولا بقطع النفع إن كان يتصور منه.