وقيل :"على حرف" على شرط ؛ وذلك أن شيبة بن ربيعة قال للنبيّ ﷺ قبل أن يظهر أمره : ادع لي ربّك أن يرزقني مالاً وإبلاً وخيلاً وولداً حتى أومِن بك وأعدِل إلى دينك ؛ فدعا له فرزقه الله عز وجل ما تمنّى ؛ ثم أراد الله عز وجل فتنته واختباره وهو أعلم به فأخذ منه ما كان رَزَقه به بعد أن أسلم فارتد عن الإسلام فأنزل الله تبارك وتعالى فيه :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ يريد شرط.
وقال الحسن : هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه.
وبالجملة فهذا الذي يعبد الله على حَرْف ليس داخلاً بكلّيته ؛ وبيّن هذا بقوله :﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ﴾ صحةُ جسم ورَخاء معيشة رَضي وأقام على دينه.
﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ﴾ أي خلاف ذلك مما يختبر به ﴿ انقلب على وَجْهِهِ ﴾ أي ارتدّ فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر.
﴿ خَسِرَ الدنيا والآخرة ذلك هُوَ الخسران المبين ﴾ قرأ مجاهد وحميد بن قيس والأعرج والزهرِيّ وابن أبي إسحاق وروي عن يعقوب "خاسِرَ الدنيا" بألف، نصباً على الحال، وعليه فلا يوقف على "وجهه".
وخسرانه الدنيا بأن لا حظّ له في غنيمة ولا ثناء، والآخرة بأن لا ثواب له فيها.
قوله تعالى :﴿ يَدْعُو مِن دُونِ الله ﴾ أي هذا الذي يرجع إلى الكفر يعبد الصنم الذي لا ينفع ولا يضر.
﴿ ذلك هُوَ الضلال البعيد ﴾ قال الفرّاء : الطويل.
قوله تعالى :﴿ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾ أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو مَن ضرّه أدنى من نفعه ؛ أي في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار، ولم ير منه نفعاً أصلاً، ولكنه قال : ضره أقرب من نفعه ترفيعاً للكلام ؛ كقوله تعالى :﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [ سبأ : ٢٤ ].


الصفحة التالية
Icon