وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ اقْتَضَى قَوْلُهُ :﴿ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ تَسَاوِيَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي سُكْنَاهُ وَالْمُقَامِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِهِ وَحُرْمَتِهِ.
قِيلَ لَهُ : هُوَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ
اعْتِقَادِ تَعْظِيمِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمِنْ تَسَاوِيهِمْ فِي سُكْنَاهُ وَالْمُقَامِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي سُكْنَاهُ كَمَا لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ لِلْمُشْتَرِي تَسَلُّمُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَسَبَ الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْلَاكِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَأَمَّا إجَارَةُ الْبُيُوتِ فَإِنَّمَا أَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ مِلْكًا لِلْمُؤَاجِرِ فَيَأْخُذُ أُجْرَةَ مِلْكِهِ، فَأَمَّا أُجْرَةُ الْأَرْضِ فَلَا تَجُوزُ، وَهُوَ مِثْلُ بِنَاءِ الرَّجُلِ فِي أَرْضٍ لِآخَرَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ إجَارَةُ الْبِنَاءِ.
وَقَوْلُهُ :﴿ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ الْعَاكِفَ أَهْلُهُ وَالْبَادِيَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ فَإِنَّ الْإِلْحَادَ هُوَ الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللَّحْدُ فِي الْقَبْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَائِلٌ إلَى شِقِّ الْقَبْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ وَقَالَ :﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ﴾ أَيْ لِسَانُ الَّذِي يُومِئُونَ إلَيْهِ.


الصفحة التالية
Icon