وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ هذان خصمان ﴾
اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها : أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنَي ربيعة، والوليد ابن عتبة، هذا قول أبي ذر.
والثاني : أنها نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبيُّنا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيِّكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون نبيَّنا، ثم كفرتم به حسداً، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثالث : أنها في جميع المؤمنين، والكفار، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وعطاء، ومجاهد.
والرابع : أنها نزلت في اختصام الجنة والنار، فقالت النار : خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته، قاله عكرمة.
فأما قوله تعالى :﴿ هذان ﴾ وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن كثير :"هاذانّ" بتشديد النون "خصمان"، فمعناه : جمعان، وليسا برجلين، ولهذا قال تعالى :﴿ اختصموا ﴾ ولم يقل : اختصما ؛ على أنه قرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة :"اختصما".
وفي خصومتهم ثلاثة أقوال.
أحدها : في دين ربِّهم، وهذا على القولين الأوليين.
والثاني : في البعث، قاله مجاهد.
والثالث : أنه خصام مفاخرة، على قول عكرمة.
قوله تعالى :﴿ قطِّعت لهم ثياب ﴾ أي : سُوِّيت وجُعلت لباساً.
قال ابن عباس : قُمُص من نار.
وقال سعيد بن جبير : المراد بالنار هاهنا : النحاس.
فأما "الحميم" فهو الماء الحارُّ ﴿ يُصهر به ﴾ قال الفراء : يذاب به، يقال : صهرت الشحم بالنار.
قال المفسرون : يذاب بالماء الحارِّ ﴿ ما في بطونهم ﴾ من شحم أو مِعىً حتى يخرج من أدبارهم، وتنضج الجلود فتتسقاط من حرِّه، ﴿ ولهم مقامع ﴾ قال الضحاك : هي المطارق.


الصفحة التالية
Icon