وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ ﴾ أي بالله وبرسوله، أو بما ذكر من الآيات البينات ﴿ والذين هَادُواْ ﴾ هم اليهود المنتسبون إلى ملة موسى ﴿ والصابئين ﴾ قوم يعبدون النجوم.
وقيل : هم من جنس النصارى وليس ذلك بصحيح بل هم فرقة معروفة لا ترجع إلى ملة من الملل المنتسبة إلى الأنبياء ﴿ والنصارى ﴾ هم المنتسبون إلى ملة عيسى ﴿ والمجوس ﴾ هم الذين يعبدون النار، ويقولون : إن للعالم أصلين : النور والظلمة.
وقيل : هم قوم يعبدون الشمس والقمر، وقيل : هم قوم يستعملون النجاسات.
وقيل : هم قوم من النصارى اعتزلوهم ولبسوا المسوح.
وقيل : إنهم أخذوا بعض دين اليهود وبعض دين النصارى ﴿ والذين أَشْرَكُواْ ﴾ الذين يعبدون الأصنام، وقد مضى تحقيق هذا في البقرة، ولكنه سبحانه قدّم هنالك النصارى على الصابئين، وأخّرهم عنهم هنا.
فقيل : وجه تقديم النصارى هنالك : أنهم أهل كتاب دون الصابئين، ووجه تقديم الصابئين هنا : أن زمنهم متقدّم على زمن النصارى، وجملة :﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة ﴾ في محل رفع على أنها خبر لإنّ المتقدّمة.
ومعنى الفصل : أنه سبحانه يقضي بينهم فيدخل المؤمنين منهم الجنة والكافرين منهم النار.
وقيل : الفصل هو أن يميز المحقّ من المبطل بعلامة يعرف بها كل واحد منهما، وجملة :﴿ إِنَّ الله على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ ﴾ تعليل لما قبلها، أي أنه سبحانه على كل شيء من أفعال خلقه وأقوالهم شهيد لا يعزب عنه شيء منها، وأنكر الفراء أن تكون جملة ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ خبراً لإن المتقدّمة.
وقال لا يجوز في الكلام : إن زيداً إن أخاه منطلق، وردّ الزجاج ما قاله الفراء، وأنكره وأنكر ما جعله مماثلاً للآية، ولا شك في جواز قولك : إن زيداً إن الخير عنده، وإن زيداً إنه منطلق، ونحو ذلك.