فالحج مرتين أو أكثر على ذلك المقدار، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أمر إبراهيم عليه السلام بالأذان تواضعت له الجبال وخفضت وارتفعت له القرى، قال القاضي عبد الجبار : يبعد قولهم إنه أجابه الصخر والمدر، لأن الإعلام لا يكون إلا لمن يؤمر بالحج دون الجماد، فأما من يسمع من أهل المشرق والمغرب نداءه فلا يمتنع إذا قواه الله تعالى ورفع الموانع ومثل ذلك قد يجوز في زمان الأنبياء عليهم السلام.
القول الثاني : أن المأمور بقوله :﴿وَأَذِّن﴾ هو محمد ﷺ وهو قول الحسن واختيار أكثر المعتزلة واحتجوا عليه بأن ما جاء في القرآن وأمكن حمله على أن محمداً ﷺ هو المخاطب به فهو أولى وتقدم قوله :﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت﴾ لا يوجب أن يكون قوله :﴿وَأَذِّن﴾ يرجع إليه إذ قد بينا أن معنى قوله :﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ أي واذكر يا محمد ﴿إِذْ بَوَّأْنَا﴾ فهو في حكم المذكور، فإذا قال تعالى :﴿وَأَذِّن﴾ فإليه يرجع الخطاب وعلى هذا القول ذكروا في تفسير قوله تعالى :﴿وَأَذِّن﴾ وجوهاً : أحدها : أن الله تعالى أمر محمداً ﷺ بأن يعلم الناس بالحج.
وثانيها : قال الجبائي أمره الله تعالى أن يعلن التلبية فيعلم الناس أنه حاج فيحجوا معه قال وفي قوله :﴿يَأْتُوكَ﴾ دلالة على أن المراد أن يحج فيقتدي به.
وثالثها : أنه ابتداء فرض الحج من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم.
أما قوله :﴿يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجٍّ عَميِقٍ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
الرجال المشاة واحدهم راجل كنيام ونائم وقرىء رجال بضم الراء مخفف الجيم ومثقله ورجال كعجال عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله :﴿وعلى كُلّ ضَامِرٍ﴾ أي ركباناً والضمور الهزال ضمر يضمر ضموراً، والمعنى أن الناقة صارت ضامرة لطول سفرها.