هذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته ؛ لا كما يفعله جهال العوامّ والمبتدِعة الطُّغام من الزعيق والزئير، ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير ؛ فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وَجْد وخشوع : إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول الله ﷺ ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى والخوفِ منه والتعظيم لجلاله ؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهمَ عن الله والبكاءَ خوفاً من الله.
وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه، ومن لم يكن كذلك فليس على هَدْيهم ولا على طريقتهم ؛ قال الله تعالى :﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين ﴾ [ المائدة : ٨٣ ].
فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم ؛ فمن كان مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنّ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالاً ؛ والجنون فنون.
روى الصحيح " عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبيّ ﷺ حتى أحْفَوْه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعِد المنبر فقال :"سلوني لا تسألوني عن شيء إلا بيّنته لكم ما دمت في مقامي هذا" فلما سمع ذلك القومُ أَرَمُّوا ورِهبوا أن يكون بين ( يدي ) أمرٍ قد حضر.
قال أنس : فجعلت ألتفت يميناً وشِمالاً فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي " وذكر الحديث.
وقد مضى القول في هذه المسألة بأشبعَ من هذا في سورة "الأنفال" والحمد لله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon