فصل
قال الفخر :
﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (٤٢) ﴾
اعلم أنه تعالى لما بين فيما تقدم إخراج الكفار المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأذن في مقاتلتهم وضمن للرسول والمؤمنين النصرة وبين أن لله عاقبة الأمور، أردفه بما يجري مجرى التسلية للرسول ﷺ في الصبر على ما هم عليه من أذيته وأذية المؤمنين بالتكذيب وغيره، فقال : وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم سائر الأمم أنبياءهم، وذكر الله سبعة منهم.
فإن قيل : ولم قال :﴿وَكُذّبَ موسى﴾ ولم يقل قوم موسى ؟ فالجواب : من وجهين : الأول : أن موسى عليه السلام ما كذبه قومه بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه وهم القبط الثاني : كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسوله، وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره.
أما قوله تعالى :﴿فَأمْلَيْتُ للكافرين﴾ يعني أمهلتهم إلى الوقت المعلوم عندي ثم أخذتهم بالعقوبة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ استفهام تقرير ( ي )، أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب، أليس كان واقعاً قطعاً ؟ ألم أبدلهم بالنعمة نقمة وبالكثرة قلة وبالحياة موتاً وبالعمارة خراباً ؟ ألست أعطيت الأنبياء جميع ما وعدتهم من النصرة على أعدائهم والتمكين لهم في الأرض.
فينبغي أن تكون عادتك يا محمد الصبر عليهم، فإنه تعالى إنما يمهل للمصلحة فلا بد من الرضاء والتسليم، وإن شق ذلك على القلب.
واعلم أن بدون ذلك يحصل التسلية لمن حاله دون حال الرسول عليه السلام، فكيف بذلك مع منزلته، لكنه في كل وقت يصل إليه من جهتهم ما يزيده غماً، فأجرى الله عادته بأن يصبره حالاً بعد حال، وقد تقدم ذكر هؤلاء المكذبين وبأي جنس من عذاب الاستئصال هلكوا.