ولما كان الجواب منصوباً، علم أنه منفي لأنه مسبب عن همزة الإنكار التي معناها النفي، وقد دخلت على النفي السير فنفته، فأثبتت السير عرياً عما أفاده الجواب، وهو قوله ﴿فتكون﴾ أي فيتسبب عن سيرهم أن تكون ﴿لهم قلوب﴾ واعية ﴿يعقلون بها﴾ ما رأوه بأبصارهم في الآيات المرئيات من الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته على الإحياء والإماتة متى أراد فيعتبروا به، فانتفاء القلوب الموصوفة متوقف على نفي السير الذي هو إثبات السير، وكذا الكلام في الآذان من قوله ﴿أو﴾ أي أو تكون لهم إن كانوا عمي الأبصار كما دل عليه جعل هذا قسيماً ﴿آذان يسمعون بها﴾ الآيات المسموعة المترجمة عن تلك القرى وغيرها سواء ساروا أو لم يسيروا، إن كانت بصائرهم غير نافذة الفهم بمجرد الرؤية فيتدبروها بقلوبهم، فإنه لا يضرهم فقد الأبصار عند وجود البصائر.
ولما كان الضار للإنسان إنما هو عمى البصائر دون الأبصار، نفى العمى أصلاً عن الأبصار لعدم ضرورة مع إنارة البصائر، وخصه بالبصئر لوجود الضرر به ولو وجدت الأبصار، مسبباً عما مضى مع ما أرشد إليه من التقدير، فقال :﴿فإنها لا تعمى الأبصار﴾ أي لعدم الضرر بعماها المستنير البصيرة ﴿ولكن تعمى القلوب﴾ وأكد المعنى بقوله :﴿التي في الصدور﴾ لوجود الضرر بعماها المبطل لمنفعة صاحبها وإن كان البصر موجداً، فاحتيج في تصوير عماها إلى زيادة تعيين لما تعورف من أن العمى إنما هو للبصر، إعلاماً بأن القلوب ما ذكرت غلطاً، بل عمداً، تنبيهاً على أن عمى البصر عدم بالنسبة لى عماها، والمراد بالقلب لطيفة ربانية روحانية مودعة في اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدر، لديه تعلق...


الصفحة التالية
Icon