" وإنما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف، لأنه يحتمل أن يكون صحابياً، ويحتمل أن يكون تابعياً، وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفاً، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حُمل عن صحابي، ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي آخر وعلى الثاني فيعود الإحتمال السابق ويتعدد، أما بالتجويز العقلي، فإلى مالا نهاية، وأما بالإستقراء، فإلى ستة أو سبعة، وهو أكثر ما وجد من رواية بعض التابعين عن بعض، فإن عرف من عادة التابعي أنه لا يرسل إلا عن ثقة، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف، لبقاء الإحتمال، وهو أحد قولي أحمد، وثانيهما: يقبل مطلقاً، وقال الشافعي رضي الله عنه: يُقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسنداً كان أو مرسلاً ليترجّح احتمال كون المحذوف ثقة في نفس الأمر"
قلت: فإذا عرف أن الحديث المُرسَل لا يقبل، وأن السبب هو الجهل بحال المحذوف فيرد عليه أن القول بأنه يقوى بمرسل آخر غير قوي لإحتمال أن يكون كل من أرسله إنما أخذه عن راوٍ واحد، وحينئذ ترد الاحتمالات الذي ذكرها الحافظ، وكأن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد لاحظ ورود هذا الاحتمال وقوته، فاشترط في المرسل الآخر أن يكون مُرسِله أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول، كما حكاه ابن الصلاح (ص٣٥) وكأن ذلك لَيغلب على الظن أن المحذوف في أحد المرسَلين هو غيره في المرسَل الآخر.
وهذه فائدة دقيقة لم أجدها في غير كلام الشافعي رحمه الله فاحفظها وراعِها فيما يمر بك من المرسَلات التي تذهب البعض إلى تقويتها لمجرد مجيئها من وجهين مرسَلين دون أن يراعوا هذا الشرط المهم.
ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد نصّ أيضاً على هذا الشرط في كلام له مفيد في أصول التفسير، نقله عنه الحافظ محمد بن عبد الهادي في كتاب له مخطوط في الأحاديث الضعيفة والموضوعة (حديث ٤٠٥/٢٢١)، فقال ابن تيمية رحمة الله تعالى:


الصفحة التالية
Icon