ولما قيد ذلك بالمثلية، وكان أمراً خفياً، لا يكاد يوقف عليه، فكان ربما وقعت المجاوزة خطأ، فظن عدم النصرة لذلك، أفهم تعالى أن المؤاخذة إنما هي بالعمد، بقوله ؛ ويجوز أن يكون التقدير ندباً إلى العفو بعد ضمان النصر : إن الله لعزيز حكيم، ومن عفا وأصلح فقد تعرض لعفو الله عن تقصيره، ومغفرته لذنوبه، فهو احتباك : ذكر النصرة دليل العزة والحكمة، وذكر العفو منه سبحانه دليل حذف العفو من العبد ﴿إن الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿لعفو﴾ أي عمن اقتص ممن ظلمه أول مرة ﴿غفور﴾ لمن اقتص ممن بغى عليه.
ولما ختم بهذين الوصفينن ذكر من الدليل عليهما أمراً جامعاً للمصالح، عاماً للخلائق، يكون فيه وبه الإحسان بالخلق والرزق فقال :﴿ذلك﴾ أي معرفة اتصافه سبحانه بهذين الوصفين ﴿بأن الله﴾ المتصف بجميع صفات الكمال ﴿يولج﴾ لأجل مصالح العباد المسيء والمحسن ﴿الليل في النهار﴾ فيمحو ظلامه بضيائه، ولو شاء مؤاخذة الناس لجعله سرمداً فتعطلت مصالح النهار ﴿ويولج النهار في الليل﴾ فينسخ ضياءه بظلامه، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الليل، أو يطول أحدهما حيث يراد استيلاء ما طبع عليه على ضد ما طبع عليه آخر لما يراد من المصالح التي جعل ذلك لأجلها ﴿وأن الله﴾ بجلاله وعظمته ﴿سميع﴾ لما يمكن أن يسمع ﴿بصير﴾ أي مبصر عالم لما يمكن أن يبصر دائم الاتصاف بذلك فهو غير محتاج إلى سكون الليل ليسمع، ولا لضياء النهار ليبصر، لأنه منزه عن الأعراض، وهو لتمام قدرته وعلمه لا يخاف في عفوه غائلة، ولا يمكن أن يفوته أمر، أو يكون التقدير : ذلك النصر والعفو بأنه قادر وبأنه عالم.