السؤال الثالث : ما المراد بالعقوبة المذكورة ؟ الجواب : فيه وجهان : أحدهما : المراد ما فعله مشركو مكة مع المهاجرين بمكة من طلب آثارهم، ورد بعضهم إلى غير ذلك، فبين تعالى أن من عاقب هؤلاء الكفار بمثل ما فعلوا فسينصره عليهم، وهذه النصرة المذكورة تقوي تأويل من تأوله على مجاهدة الكفار لا على القصاص، لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك والجواب الثاني : أن هذه الآية في القصاص والجراحات، وهي آية مدنية عن الضحاك.
السؤال الرابع : لم سمى ابتداء فعلهم بالعقوبة ؟ الجواب : أطلق اسم العقوبة على الأول للتعلق الذي بينه وبين الثاني كقوله تعالى :﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [ الشورى : ٤٠ ] ﴿ويُخَادعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [ النساء : ١٤٢ ].
السؤال الخامس : أي تعلق لقوله :﴿وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ بما تقدم ؟ الجواب : فيه وجوه : أحدها : أن الله تعالى ندب المعاقب إلى العفو عن الجاني بقوله :﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله﴾ [ الشورى : ٤٠ ] ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ]، ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [ الشورى : ٤٣ ] فلما لم يأت بهذا المندوب فهو نوع إساءة، فكأنه سبحانه قال : إني قد عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها، فإني أنا الذي أذنت لك فيه وثانيها : أنه سبحانه وإن ضمن له النصر على الباغي، لكنه عرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو والمغفرة فلوح بذكر هاتين الصفتين وثالثها : أنه سبحانه دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة، لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده.


الصفحة التالية