وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ ذلك وَمَنْ عَاقَبَ ﴾ "ذلك" في موضع رفع ؛ أي ذلك الأمر الذي قصصنا عليك.
قال مقاتل : نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم فقالوا : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم ؛ فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام ؛ فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ؛ وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء ؛ فنزلت هذه الآية.
وقيل : نزلت في قوم من المشركين، مثّلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أُحُد فعاقبهم رسول الله ﷺ بمثله.
فمعنى "من عاقب بمثل ما عوقب به" أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ؛ فسمَّى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة ؛ فهو مثل ﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ].
ومثل ﴿ فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ].
وقد تقدم.
﴿ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ﴾ أي بالكلام والإزعاج من وطنه ؛ وذلك أن المشركين كذبوا نبيَّهم وآذَوْا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة، وظاهروا على إخراجهم.
﴿ لَيَنصُرَنَّهُ الله ﴾ أي لينصرَنَّ الله محمداً ﷺ وأصحابه ؛ فإن الكفار بغوا عليهم.
﴿ إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ أي عفا عن المؤمنين ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر.
قوله تعالى :﴿ ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار ﴾ أي ذلك الذي قصصت عليك من نصر المظلوم هو بأني أنا الذي أولج الليل في النهار فلا يقدر أحد على ما أقدر عليه ؛ أي من قدر على هذا قدر على أن ينصر عبده.
وقد مضى في "آل عمران" معنى يولج الليل في النهار.
﴿ وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ يسمع الأقوال ويبصر الأفعال، فلا يَعْزُب عنه مثقالُ ذرّة ولا دبِيب نملة إلا يعلمها ويسمعها ويبصرها.


الصفحة التالية
Icon